responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 259
وَقَدِ اخْتَلَفُوا: هَلِ الْمَيْسِرُ ذَلِكَ النَّوْعَ مِنَ الْقِمَارِ بِعَيْنِهِ، أَمْ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مُقَامَرَةٍ؟ وَلَكِنْ لَا خِلَافَ بَيْنِ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ كُلَّ قِمَارٍ مُحَرَّمٌ إِلَّا مَا أَبَاحَ الشَّرْعُ مِنَ الرِّهَانِ فِي السِّبَاقِ وَالرِّمَايَةِ تَرْغِيبًا فِيهِمَا لِلِاسْتِعْدَادِ لِلْجِهَادِ، وَلَيْسَ مِنْهَا سِبَاقُ الْخَيْلِ الْمَعْرُوفُ فِي عَصْرِنَا; فَإِنَّهُ مِنْ شَرِّ الْقِمَارِ الَّذِي تَرْجِعُ جَمِيعُ أَنْوَاعِهِ إِلَى كَوْنِهَا مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ.
(قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ ((كَثِيرٌ)) بِالْمُثَلَّثَةِ مِنَ الْكَثْرَةِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ ((كَبِيرٌ)) مِنَ الْكِبَرِ، وَالْإِثْمُ: كُلُّ مَا فِيهِ ضَرَرٌ وَتَبِعَةٌ مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ; أَيْ: قُلْ أَيُّهَا الرَّسُولُ: إِنَّ فِي تَعَاطِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ إِثْمًا كَثِيرَ الْمَفَاسِدِ وَذَنْبًا كَبِيرَ الضَّرَرِ، وَإِنَّمَا كَانَ إِثْمُ الْخَمْرِ كَبِيرًا; لِأَنَّ مَضَرَّاتِهَا وَالتَّبِعَاتِ الَّتِي تَعْقُبُهَا كَبِيرَةٌ، وَالضَّرَرُ يَكُونُ فِي الْبَدَنِ وَالنَّفْسِ وَالْعَقْلِ وَالْمَالِ، وَيَكُونُ فِي التَّعَامُلِ وَارْتِبَاطِ النَّاسِ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَلَا يُوجَدُ إِثْمٌ مِنَ الْآثَامِ كَالْخَمْرِ يَدْخُلُ ضَرَرُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْأَفْعَالِ وَمِنَ الْأَقْوَالِ، وَأَنْوَاعُ هَذَا الضَّرَرِ كَثِيرَةٌ، فَمِنْ مَضَرَّاتِ الْخَمْرِ الصِّحِّيَّةِ إِفْسَادُ الْمَعِدَةِ وَالْإِقْهَاءِ - فَقْدُ شَهْوَةِ الطَّعَامِ - وَتَغْيِيرُ الْخَلْقِ، فَالسُّكَارَى يُسْرِعُ
إِلَيْهِمُ التَّشَوُّهُ، فَتَجْحَظُ أَعْيُنُهُمْ، وَتَمْتَقِعُ سَحْنَتُهُمْ، وَتَعْظُمُ بُطُونُهُمْ; بَلْ قَالَ أَحَدُ أَطِبَّاءِ الْأَلْمَانِ: إِنَّ السَّكُورَ - كَثِيرُ السُّكْرِ - ابْنَ الْأَرْبَعِينَ يَكُونُ نَسِيجُ جِسْمِهِ كَنَسِيجِ جِسْمِ ابْنِ السِّتِّينَ، وَيَكُونُ كَالْهَرِمِ جِسْمًا وَعَقْلًا، وَمِنْهَا مَرَضُ الْكَبِدِ وَالْكُلَى، وَدَاءُ السُّلِّ الَّذِي يَفْتِكُ فِي الْبِلَادِ الْأُورُبِّيَّةِ فَتْكًا ذَرِيعًا عَلَى عِنَايَةِ أَهْلِهَا بِقَوَانِينِ الصِّحَّةِ، وَلَكِنْ لَا وِقَايَةَ مِنْ شُرُورِ السُّكْرِ إِلَّا بِتَرْكِهِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ نَحْوَ نِصْفِ الْوَفِيَّاتِ فِي بَعْضِ بِلَادِ أُورُبَّا بِدَاءِ السُّلِّ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الدَّاءُ مَعْرُوفًا أَوْ مُنْتَشِرًا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْبِلَادِ - مِصْرَ - قَبْلَ شُيُوعِ السُّكْرِ فِيهَا، فَهُوَ مِنَ الْأَدْوَاءِ الَّتِي حَمَلَهَا إِلَيْهَا الْأُورُبِّيُّونَ، وَقَدْ كَثُرَ كَثْرَةً فَاحِشَةً فِي مِصْرَ عَلَى أَنَّ جَوَّهَا لَا يُسَاعِدُ عَلَى انْتِشَارِهِ.
وَأَمَّا ضَرَرُ الْخَمْرِ فِي الْعَقْلِ فَهُوَ مُسْلَّمٌ عِنْدَ النَّاسِ، وَلَيْسَ ضَرَرُهُ فِيهِ خَاصًّا بِمَا يَكُونُ مِنْ فَسَادِ التَّصَوُّرِ وَالْإِدْرَاكِ عِنْدَ السُّكْرِ; بَلِ السُّكْرُ يُضْعِفُ الْقُوَّةَ الْعَاقِلَةَ، وَكَثِيرًا مَا يَنْتَهِي بِالْجُنُونِ، وَلِأَحَدِ أَطِبَّاءِ أَلْمَانْيَا كَلِمَةٌ اشْتُهِرَتْ كَالْأَمْثَالِ وَهِيَ ((اقْفِلُوا لِي نِصْفَ الْحَانَاتِ أَضْمَنْ لَكُمُ الِاسْتِغْنَاءَ عَنْ نِصْفِ الْمُسْتَشْفَيَاتِ وَالْبِيمَارِسْتَانَاتِ وَالْمَلَاجِئِ - التَّكَايَا - وَالسُّجُونِ)) .
وَقَدْ قَالَ الْأَطِبَّاءُ: إِنَّ الْمُسْكِرَ لَا يَتَحَوَّلُ إِلَى دَمٍ كَمَا تَتَحَوَّلُ سَائِرُ الْأَغْذِيَةِ بَعْدَ الْهَضْمِ، بَلْ يَبْقَى عَلَى حَالِهِ، فَيُزَاحِمُ الدَّمَ فِي مَجَارِيهِ فَتُسْرِعُ حَرَكَةُ الدَّمِ، وَتَخْتَلُّ مُوَازَنَةُ الْجِسْمِ، وَتَتَعَطَّلُ وَظَائِفُ الْأَعْضَاءِ أَوْ تَضْعُفُ، وَتَخْرُجُ عَنْ وَضْعِهَا الطَّبِيعِيِّ الْمُعْتَدِلِ.
فَمِنْ تَأْثِيرِهِ فِي اللِّسَانِ إِضْعَافُ حَاسَّةِ الذَّوْقِ، وَفِي الْحَلْقِ الِالْتِهَابُ، وَفِي الْمَعِدَةِ تَرْشِيحُ الْعُصَارَةِ الْفَاعِلَةِ فِي الْهَضْمِ حَتَّى يَغْلُظَ نَسِيجُهَا وَتَضْعُفَ حَرَكَتُهَا، وَقَدْ يُحْدِثُ فِيهَا احْتِقَانًا

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 259
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست