responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 23
جَعَلَهُ قِبْلَةً لَكُمْ، وَتَطْهِيرِكُمْ إِيَّاهُ مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ، وَهُوَ الْبَيْتُ الَّذِي فِي قَلْبِ بِلَادِكُمْ، وَمَوْضِعُ شَرَفِكُمْ وَفَخْرِكُمْ، كَمَا أَتَمَّهَا عَلَيْكُمْ بِإِرْسَالِهِ رَسُولًا مِنْكُمْ، فَالْقِبْلَةُ فِي بِلَادِكُمْ، وَالرَّسُولُ مِنْ أُمَّتِكُمْ، وَالْخِطَابُ لِلْعَرَبِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. ثُمَّ وَصَفَ هَذَا الرَّسُولَ بِالْأَوْصَافِ الَّتِي كَانَ بِهَا نِعْمَةً تَامَّةً، وَرَحْمَةً شَامِلَةً فَقَالَ: (يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا) الدَّالَّةَ عَلَى أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مِنَ التَّوْحِيدِ وَالْهِدَايَةِ هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَهَذِهِ الْآيَاتُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ آيَاتِ الْقُرْآنِ أَوْ غَيْرَهَا مِنَ الدَّلَائِلِ وَالْبَرَاهِينِ عَلَى أُصُولِ الدِّينِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَاتِ فِي دَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ بِأَنَّ الْآيَاتِ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهَا الْآيَاتُ الْكَوْنِيَّةُ وَالْعَقْلِيَّةُ وَأَنْ يُرَادَ بِهَا آيَاتُ الْوَحْيِ، وَالتَّعْمِيمُ أَوْلَى، وَإِنَّمَا خَصَّهَا بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ بِآيَاتِ الْقُرْآنِ بِقَرِينَةٍ (يَتْلُو) عَلَى أَنَّ التِّلَاوَةَ أَعَمُّ، فَكُلُّ بُرْهَانٍ يُقِيمُهُ فَقَدْ تَلَا عَلَيْهِمْ عِبَارَتَهُ، وَذَكَرَ لَهُمْ فِيهِ آيَاتِ اللهِ فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ، وَوَجْهُ الْمِنَّةِ أَنَّهُ يَقُودُهُمْ إِلَى الْحَقِّ بِالدَّلِيلِ وَالْبُرْهَانِ دُونَ التَّقْلِيدِ وَالتَّسْلِيمِ بِغَيْرِ فَهْمٍ وَلَا إِذْعَانٍ،
وَالطَّرِيقَةُ الْأُولَى يَكُونُ بِهَا الْعَقْلُ مُسْتَقِلًّا، وَالدِّينُ مُؤَيِّدًا لَهُ وَهَادِيًا، لَا مُرْغِمًا وَلَا مُعَطِّلًا، هَذَا مُلَخَّصُ مَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.
وَالْمُخْتَارُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَاتِ آيَاتُ الْقُرْآنِ بِاعْتِبَارِ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْآيَاتِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْعِلْمِيَّةِ عَلَى أُصُولِ الْعَقَائِدِ وَالْقَوَاعِدِ، فَهِيَ فِي نَفْسِهَا آيَةٌ عَلَى النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ بِأَنْوَاعِ إِعْجَازِهَا الَّتِي تَقَدَّمَ بَيَانُهَا (ص 159 - 191 ج1) وَتَشْتَمِلُ عَلَى آيَاتٍ كَثِيرَةٍ ; عَلَى التَّوْحِيدِ وَالْبَعْثِ وَأُصُولِ الْإِسْلَامِ كُلِّهَا.
الْآيَاتُ تَتَعَلَّقُ بِإِثْبَاتِ الْعَقَائِدِ وَأُصُولِ الدِّينِ وَهِيَ الْمَقْصِدُ الْأَوَّلُ، وَيَلِيهَا تَهْذِيبُ الْأَخْلَاقِ ; وَلِذَلِكَ قَالَ: (وَيُزَكِّيكُمْ) أَيْ: يُطَهِّرُ نُفُوسَكُمْ مِنَ الْأَخْلَاقِ السَّافِلَةِ، وَالرَّذَائِلِ الْمَمْقُوتَةِ، وَيُخَلِّقُهَا بِالْأَخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ بِمَا لَكُمْ فِيهِ مِنْ حُسْنِ الْأُسْوَةِ لَا بِالْقَهْرِ وَالسَّطْوَةِ، وَخَصَّ الْمُفَسِّرُ (الْجَلَالُ) التَّزْكِيَةَ بِالتَّطْهِيرِ مِنَ الشِّرْكِ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: وَهَذَا لَا يَصِحُّ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ كَمَا جَاءَ بِالتَّوْحِيدِ الْمَاحِي لِلشِّرْكِ، جَاءَ بِالتَّهْذِيبِ الْمُطَهِّرِ مِنْ سَفْسَافِ الْأَخْلَاقِ وَقَبَائِحِ الْعَادَاتِ وَالْمَعَاصِي الَّتِي كَانَتْ فَاشِيَةً فِي الْعَرَبِ، فَقَدْ كَانُوا يَئِدُونَ بَنَاتِهُمْ - يَدْفِنُونَهُنَّ حَيَّاتٍ - وَيَقْتُلُونَ أَوْلَادَهُمْ لِلتَّخَلُّصِ مِنَ النَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ نِهَايَةُ الْقَسْوَةِ وَالشُّحِّ، وَكَانُوا يَسْفِكُونَ الدِّمَاءَ فِيمَا بَيْنَهُمْ لِأَهْوَنِ سَبَبٍ يُثِيرُ حَمِيَّتَهُمُ الْجَاهِلِيَّةَ ; لِمَا اعْتَادُوهُ مِنَ الْبَغْيِ فِي الثَّارَاتِ وَمِنْ شَنِّ الْغَارَاتِ وَنَهْبِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَكَانَ عِنْدَهُمْ مِنَ التَّسَفُّلِ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَتَزَوَّجُ زَوْجَ أَبِيهِ أَوْ يَعْضِلُهَا حَتَّى تَفْتَدِي مِنْهُ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وَقَدْ زَكَّاهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بِاقْتِدَائِهِمْ بِأَخْلَاقِهِ الْعَظِيمَةِ فِي عِبَادَاتِهِ الْكَامِلَةِ وَآدَابِهِ الْعَالِيَةِ، وَجَمْعِهِمْ بَعْدَ تِلْكَ الْفُرْقَةِ، وَأَلَّفَ اللهُ بَيْنَهُمْ عَلَى يَدَيْهِ حَتَّى صَارُوا كَرَجُلٍ وَاحِدٍ، وَجَعَلَتْ شَرِيعَتُهُ ذِمَّتَهُمْ وَاحِدَةً يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَإِذَا أَعْطَى مَوْلًى أَوْ رَقِيقٌ لَهُمْ أَمَانًا لِأَيِّ إِنْسَانٍ مُحَارِبٍ كَانَ ذَلِكَ كَتَأْمِينِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ، فَأَيُّ تَزْكِيَةٍ أَعْلَى مِنْ هَذِهِ التَّزْكِيَةِ؟ .

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 23
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست