responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 22
لِلْمُوَحِّدِينَ ; لِيُوَجِّهَ النُّفُوسَ إِلَيْهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مُقَدِّمَةً لِتَطْهِيرِهِ وَإِتْمَامِ النِّعْمَةِ بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ، وَالسَّيْرِ فِيهِ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ مِنَ التَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَةِ الصَّحِيحَةِ لِلَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ.
أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَرَّرَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِي تَفْسِيرِ الْإِتْمَامِ وَكَوْنِ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ مُقَدِّمَةً لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِ فَتْحِ مَكَّةَ فِي سُورَةِ الْفَتْحِ: (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا) (48: 2) فَكَانَ فِي الْآيَةِ بِشَارَةٌ بِفَتْحِ مَكَّةَ، وَنَصْرِ اللهِ التَّوْحِيدَ عَلَى الشِّرْكِ وَمَا يَتْلُو ذَلِكَ مِنْ نَشْرِ الْإِسْلَامِ، وَانْتِشَارِ نُورِهِ فِي الْأَنَامِ ; وَلِذَلِكَ قَالَ فِي سُورَةِ الْفَتْحِ بَعْدَمَا ذَكَرَ: (وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْرًا عَزِيزًا) (48: 3) .
ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْحِكْمَةَ الثَّالِثَةَ لِتَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ فَقَالَ: (وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) أَيْ: وَلْيُعِدَّكُمْ بِذَلِكَ إِلَى الِاهْتِدَاءِ بِالثَّبَاتِ عَلَى الْحَقِّ وَالرُّسُوخِ فِيهِ، فَإِنَّ الْمُعَارَضَاتِ وَالْمَحَاجَّاتِ تُظْهِرُ ضَعْفَ الْبَاطِلِ وَزُهُوقَهُ، وَتُبَيِّنُ قُوَّةَ الْحَقِّ وَثُبُوتَهُ، فَالْحُجَّةُ تَتَبَخْتَرُ اتِّضَاحًا، وَالشُّبْهَةُ تَتَضَاءَلُ افْتِضَاحًا، وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْكَوْنِ بِأَنَّ الْفِتَنَ تُنِيرُ الطَّرِيقَ لِأَهْلِ الْحَقِّ، وَتُرْخِي سُدُولَ ظُلْمَتِهِ عَلَى أَهْلِ الْبَاطِلِ، وَتُمَحِّصُ الْمُؤْمِنِينَ، وَتَمْحَقُ الْكَافِرِينَ.
كُلُّ إِنْسَانٍ يَرَى نَفْسَهُ عَلَى الْحَقِّ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَكِنَّ التَّمَكُّنَ فِي الْمَعْرِفَةِ وَالثَّبَاتِ عَلَى الْحَقِّ لَا يُعْرَفُ فِي الْغَالِبِ إِلَّا إِذَا وُجِدَ لِلْمُحِقِّ خَصْمٌ يُنَازِعُهُ وَيُعَارِضُهُ فِي الْحَقِّ، هُنَالِكَ تَتَوَجَّهُ قُوَاهُ إِلَى تَأْيِيدِ حَقِّهِ وَتَمْكِينِهِ، وَيُحِسُّ بِحَاجَتِهِ إِلَى الْمُنَاضَلَةِ دُونَهُ وَالثَّبَاتِ عَلَيْهِ، وَكَثِيرًا مَا يُظْهِرُ الْبَاطِلُ الْحَقَّ بَعْدَ خَفَائِهِ ; فَإِنَّ الْمُعَارَضَةَ فِي الْحَقِّ تَحْمِلُ صَاحِبَهُ عَلَى تَنْقِيحِهِ وَتَحْرِيرِهِ وَتَنْقِيَتِهِ مِمَّا عَسَاهُ يَلْتَصِقُ بِهِ أَوْ يُجَاوِرُهُ مِنْ غَوَاشِي الْبَاطِلِ، وَتَجْعَلُ
عِلْمَهُ بِهِ مُفَصَّلًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مُجْمَلًا، وَمُبَرْهَنًا عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُسَلَّمًا، فَهِيَ مُدْرِجَةُ الْكَمَالِ لِأَهْلِ الْيَقِينِ، وَمَزَلَّةُ الرَّيْبِ لِلْمُقَلِّدِينَ. قَالَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ: جَزَى اللهُ أَعْدَاءَنَا عَنَّا خَيْرًا إِذْ لَوْلَاهُمْ مَا وَصَلْنَا إِلَى شَيْءٍ مِنْ مَقَامَاتِ الْقُرْبِ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:
عِدَاتِي لَهُمْ فَضْلٌ عَلَيَّ وَمِنَّةٌ ... فَلَا أَذْهَبَ الرَّحْمَنُ عَنِّي الْأَعَادِيَا
هُمُ بَحَثُوا عَنْ زَلَّتِي فَاجْتَنَبْتُهَا ... وَهُمْ نَافَسُونِي فَاكْتَسَبْتُ الْمَعَالِيَا
ذَلِكَ بِأَنَّ الْعَدُوَّ يُنَقِّبُ عَنِ الزَّلَّاتِ، وَيَبْحَثُ فِي الْهَفَوَاتِ، وَطَالِبُ الْحَقِّ يَتَوَجَّهُ دَائِمًا إِلَى الِاسْتِفَادَةِ مَنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَالنَّظَرِ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ إِلَى مَوْضِعِ الْعِبْرَةِ وَطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ، فَإِذَا وَجَدَ فِي كَلَامِ الْعَدُوِّ مَغْمَزًا صَحِيحًا تَوَقَّاهُ، أَوْ عِثَارًا فِي طَرِيقِهِ نَحَّاهُ، وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ بَاطِلٌ ثَبَتَ عَلَى حَقِّهِ، وَعَرَفَ مَنَافِذَ الطَّعْنِ فِيهِ فَسَدَّهَا، فَكَانَ بِذَلِكَ مِنَ الْكَمَلَةِ الرَّاسِخِينَ ; لِهَذَا كُلِّهِ كَانَتِ الْفِتْنَةُ الَّتِي أَثَارَهَا السُّفَهَاءُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي مَسْأَلَةِ الْقِبْلَةِ مُعِدَّةٌ لِلِاهْتِدَاءِ وَوَسِيلَةٌ إِلَى الثَّبَاتِ عَلَى الْحَقِّ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ وَالْحُجَجِ النَّاهِضَاتِ فِي بَيَانِهِ وَحِكْمَةِ اللهِ تَعَالَى فِيهِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ) أَيْ: يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ بِاسْتِيلَائِكُمْ عَلَى بَيْتِهِ الَّذِي

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 22
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست