responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 14
بِهِ، فَإِذَا أُرِيدَ التَّخْصِيصُ جِيءَ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ) (17: 79) وَقَوْلُهُ: (خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) (33: 50) وَإِنَّمَا أَمَرَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيَّ فِيهَا نَصًّا صَرِيحًا لِلتَّأْكِيدِ الَّذِي اقْتَضَتْهُ الْحَالُ فِي حَادِثَةِ الْقِبْلَةِ، فَإِنَّهَا كَانَتْ حَادِثَةً كَبِيرَةً اسْتَتْبَعَتْ فِتْنَةً عَظِيمَةً، فَأَرَادَ اللهُ أَنْ يُعْلِمَ الْمُؤْمِنِينَ بِعِنَايَتِهِ بِهَا وَيُقَرِّرَهَا فِي أَنْفُسِهِمْ فَأَكَّدَ الْأَمْرَ بِهَا، وَشَرَّفَهُمْ بِالْخِطَابِ مَعَ خِطَابِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِتَشْتَدَّ قُلُوبُهُمْ وَتَطْمَئِنَ نُفُوسُهُمْ، وَيَتَلَقَّوْا تِلْكَ الْفِتْنَةَ الَّتِي أَثَارَهَا الْمُنَافِقُونَ وَالْكَافِرُونَ
بِالْحَزْمِ وَالثَّبَاتِ عَلَى الِاتِّبَاعِ وَلِئَلَّا يُتَوَهَّمَ مِنْ سَابَقِ الْكَلَامِ أَنَّهُ خَاصٌّ بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.
بَعْدَ هَذَا عَادَ إِلَى بَيَانِ حَالِ السُّفَهَاءِ مُثِيرِي الْفِتْنَةِ فِي مَسْأَلَةِ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ فَقَالَ:
(وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) أَيْ: إِنَّ تَوَلِّيَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ هُوَ الْحَقُّ الْمُنَزَّلُ مِنَ اللهِ عَلَى نَبِيِّهِ. وَجُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ أُولَئِكَ الْفَاتِنِينَ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الْمُقِيمِينَ فِي الْحِجَازِ. وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ تَكُنِ الْفِتْنَةُ عَظِيمَةً ; لِأَنَّ كَلَامَ الْمُشْرِكِينَ فِي مَسَائِلِ الْوَحْيِ وَالتَّشْرِيعِ قَلَّمَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، وَأَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ فَقَدْ كَانُوا مَعْرُوفِينَ بَيْنَ الْعَرَبِ بِالْعِلْمِ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَإِنَّ عَامَّةَ النَّاسِ تَتَقَبَّلُ كَلَامَهُ وَلَوْ نَطَقَ بِالْمُحَالِ ; لِأَنَّ الثِّقَةَ بِمَظْهَرِهِ تَصُدُّ عَنْ تَمْحِيصِ خَبَرِهِ، فَهُوَ فِي حَالِهِ الظَّاهِرَةِ شُبْهَةٌ إِذَا أَنْكَرَ، وَحُجَّةٌ إِذَا اعْتَرَفَ، وَلِأَنَّ الْجَمَاهِيرَ مِنَ النَّاسِ قَدِ اعْتَادُوا تَقْلِيدَ مِثْلِهِ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ وَلَا دَلِيلٍ.
وَقَدْ جَرَى أَصْحَابُ الْمَظَاهِرِ الْعِلْمِيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِغُرُورِ النَّاسِ بِهِمْ، فَصَارَ الْغَرَضُ لَهُمْ مِنْ أَقْوَالِهِمُ التَّأْثِيرَ فِي نُفُوسِ النَّاسِ، فَهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَعْتَقِدُونَ لِأَجْلِ ذَلِكَ، وَيُسْنِدُونَ مَا يَقُولُونَ إِلَى كُتُبِهِمْ كَذِبًا صَرِيحًا أَوْ تَأْوِيلًا بَعِيدًا، كَمَا كَانَ أَحْبَارُ الْيَهُودِ يَطْعَنُونَ فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا جَاءَ بِهِ، وَيَذْكُرُونَ لِلنَّاسِ أَقْوَالًا عَلَى أَنَّهَا مِنْ كُتُبِهِمْ وَمَا هِيَ مِنْ كُتُبِهِمْ، إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا خِدَاعًا، وَقَدْ كَذَّبَ اللهُ هَؤُلَاءِ الْخَادِعِينَ، وَبَيَّنَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ غَيْرَ مَا يَعْتَقِدُونَ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ قَامَ عِنْدَهُمُ الدَّلِيلُ عَلَى مَا سَبَقَتْ بِهِ بِشَارَةُ أَنْبِيَائِهِمْ مِنْ صِحَّةِ نُبُوَّةِ الرَّسُولِ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ أَمْرَ الْقِبْلَةِ - كَغَيْرِهَا مِنْ أُمُورِ الدِّينِ - مَا جَاءَ بِهِ الْوَحْيُ عَنِ اللهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ الْحَقُّ لَا مَحِيصَ عَنْهُ، لَا مَكَانَ مُعَيَّنٌ بِذَاتِهِ لِذَاتِهِ (وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) فَهُوَ الْمُطَّلِعُ عَلَى الظَّوَاهِرِ وَالضَّمَائِرِ، الْحَسِيبُ عَلَى مَا فِي السَّرَائِرِ الرَّقِيبُ عَلَى الْأَعْمَالِ، فَيُخْبِرُ نَبِيَّهُ بِمَا شَاءَ أَنْ يُخْبِرَهُ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَصِيرُ وَعَلَيْهِ الْحِسَابُ وَالْجَزَاءُ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ (تَعْمَلُونَ) بِالتَّاءِ لِلْخِطَابِ.
سَبَقَ الْقَوْلُ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ حَرِيصًا عَلَى هِدَايَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ رَاجِيًا بِإِيمَانِهِمْ مَا لَا يَرْجُوهُ مِنْ إِيمَانِ الْمُشْرِكِينَ، فَبِمِقْدَارِ حِرْصِهِ وَرَجَائِهِ كَانَ يَحْزُنُهُ عُرُوضُ الشُّبَهِ لَهُمْ فِي الدِّينِ وَيَتَمَنَّى لَوْ أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ وَالدَّلَائِلِ مَا يَمْحُو كُلَّ شُبْهَةٍ لَهُمْ، فَلَمَّا كَانَتْ فِتْنَةُ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ بِمُخَادَعَتِهِمُ النَّاسَ أَخْبَرَهُ اللهُ تَعَالَى بِأَنَّهُمْ غَيْرُ
مُشْتَبِهِينَ فِي الْحَقِّ فَتُزَالُ شُبْهَتُهُمْ، وَإِنَّمَا هُمْ قَوْمٌ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 14
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست