responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 13
فَإِذَا تَمَّ الْمِيقَاتُ، وَأَزِفَ وَقْتُ الرُّقِيِّ إِلَى مَا هُوَ آتٍ وَجَدَتْ مِنَ الشُّعُورِ بِالْحَاجَةِ إِلَى النَّسْخِ مَا يُوَجِّهُهَا إِلَى الشَّارِعِ الْعَلِيمِ وَالدَّيَّانِ الْحَكِيمِ، كَمَا كَانَ يَتَقَلَّبُ وَجْهُ نَبِيِّنَا فِي السَّمَاءِ تَشَوُّفًا إِلَى تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ) أَيْ: إِنَّنَا نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ أَيُّهَا الرَّسُولُ وَتَرَدُّدَهُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ فِي السَّمَاءِ مَصْدَرِ الْوَحْيِ وَقِبْلَةِ الدُّعَاءِ ; انْتِظَارًا لِمَا تَرْجُوهُ مِنْ نُزُولِ الْأَمْرِ بِتَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ.
فَسَّرَ بَعْضُهُمْ تَقَلُّبَ الْوَجْهِ بِالدُّعَاءِ، وَحَقِيقَةُ الدُّعَاءِ هِيَ شُعُورُ الْقَلْبِ بِالْحَاجَةِ إِلَى عِنَايَةِ اللهِ تَعَالَى فِيمَا يَطْلُبُ، وَصِدْقُ التَّوَجُّهِ إِلَيْهِ فِيمَا يَرْغَبُ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَحْرِيكِ اللِّسَانِ بِالْأَلْفَاظِ، فَإِنَّ اللهَ يَنْظُرُ إِلَى الْقُلُوبِ وَمَا أَسَرَّتْ، فَإِنْ وَافَقَتْهَا الْأَلْسِنَةُ فَهِيَ تَبَعٌ لَهَا، وَإِلَّا كَانَ الدُّعَاءُ لَغْوًا يُبْغِضُهُ اللهُ تَعَالَى، فَالدُّعَاءُ الدِّينِيُّ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بِإِحْسَاسِ الدَّاعِي بِالْحَاجَةِ إِلَى عِنَايَةِ اللهِ تَعَالَى، وَعَنْ هَذَا الْإِحْسَاسِ يُعَبِّرُ اللِّسَانُ بِالضَّرَاعَةِ وَالِابْتِهَالِ، فَهَذَا التَّفْسِيرُ لَيْسَ بِأَجْنَبِيٍّ مَنْ سَابِقِهِ.
فَتَقَلُّبُ الْوَجْهِ فِي السَّمَاءِ عِبَارَةٌ عَنِ التَّوَجُّهِ إِلَى اللهِ تَعَالَى انْتِظَارًا لِمَا كَانَتْ تَشْعُرُ بِهِ رُوحُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَرْجُوهُ مِنْ
نُزُولِ الْوَحْيِ بِتَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ، وَلَا تَدُلُّ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِلِسَانِهِ طَالِبًا هَذَا التَّحْوِيلَ وَلَا تَنْفِي ذَلِكَ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: مِنْ كَمَالِ أَدَبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ انْتَظَرَ وَلَمْ يَسْأَلْ.
وَهَذَا التَّوَجُّهُ هُوَ الَّذِي يُحِبُّهُ اللهُ تَعَالَى وَيَهْدِي قَلْبَ صَاحِبِهِ إِلَى مَا يَرْجُوهُ وَيَطْلُبُهُ، لِذَلِكَ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا) أَيْ: فَلَنَجْعَلَنَّكَ مُتَوَلِّيًا قِبْلَةً تُحِبُّهَا وَتَرْضَاهَا، وَقَرَنَ الْوَعْدَ بِالْأَمْرِ فَقَالَ: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) تَوْلِيَةُ الْوَجْهِ الْمَكَانَ أَوِ الشَّيْءَ: هِيَ جَعْلُهُ قُبَالَتَهُ وَأَمَامَهُ، وَالتَّوَلِّي عَنْهُ: جَعْلُهُ وَرَاءَهُ. وَالشَّطْرُ فِي الْأَصْلِ: الْقِسْمُ الْمُنْفَصِلُ مِنَ الشَّيْءِ تَقُولُ: جَعَلَهُ شَطْرَيْنِ، وَمِنْهُ شَطْرُ الْبَيْتِ مِنَ الشِّعْرِ وَهُوَ الْمِصْرَاعُ مِنْهُ، وَكَذَا الْمُتَّصِلُ كَشَطْرَيِ النَّاقَةِ وَأَشْطُرِهَا وَهِيَ أَخْلَافُهَا: شَطْرَانِ أَمَامِيَّانِ وَشَطْرَانِ خَلْفِيَّانِ. وَيُطْلَقُ عَلَى النَّحْوِ وَالْجِهَةِ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، فَالْوَاجِبُ اسْتِقْبَالُ جِهَةِ الْكَعْبَةِ فِي حَالِ الْبُعْدِ عَنْهَا وَعَدَمِ رُؤْيَتِهَا وَلَا يَجِبُ اسْتِقْبَالُ عَيْنِهَا إِلَّا عَلَى مَنْ يَرَاهَا بِعَيْنِهِ، أَوْ يَلْمِسُهَا بِيَدِهِ أَوْ بَدَنِهِ. فَإِنْ صَحَّ إِطْلَاقُ الشَّطْرِ عَلَى عَيْنِ الشَّيْءِ فِي اللُّغَةِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ هُنَا ; لِمَا فِيهِ مِنَ الْحَرَجِ الشَّدِيدِ، لَا سِيَّمَا عَلَى الْأُمَّةِ الْأُمِّيَّةِ. ثُمَّ أَمَرَ بِذَلِكَ الْمُؤْمِنِينَ عَامَّةً فَقَالَ:
(وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) أَيْ: وَفِي أَيِّ مَكَانٍ كُنْتُمْ فَاسْتَقْبِلُوا جِهَتَهُ بِوُجُوهِكُمْ فِي صَلَاتِكُمْ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يُصَلِّيَ الْمُسْلِمُونَ فِي بِقَاعِ الْأَرْضِ إِلَى جَمِيعِ الْجِهَاتِ، لَا كَالنَّصَارَى الَّذِينَ يَلْتَزِمُونَ جِهَةَ الْمَشْرِقِ، وَيَقْتَضِي أَنْ يَعْرِفُوا مَوْقِعَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَجِهَتَهُ حَيْثُمَا كَانُوا ; وَلِذَلِكَ وَضَعُوا عِلْمَ سَمْتِ الْقِبْلَةِ وَتَقْوِيمِ الْبُلْدَانِ (الْجُغْرَافِيَّةِ الْفَلَكِيَّةِ وَالْأَرْضِيَّةِ) . وَقَدْ عُهِدَ مِنْ أُسْلُوبِ الْقُرْآنِ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ الَّذِي يُؤْمَرُ بِهِ النَّبِيُّ وَلَا يُذْكَرُ أَنَّهُ خَاصٌّ بِهِ أَمْرًا لَهُ وَلِلْمُؤْمِنِينَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 13
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست