responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 137
(أَقُولُ) : وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ إِجَابَتِهِ إِيَّاهُمْ فَلَيْسَ مِنْ مَوْضُوعِ الْآيَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَارِفَ بِاللهِ تَعَالَى وَالْعَالِمَ بِشَرْعِهِ وَبِسُنَنِهِ فِي خَلْقِهِ لَا يَقْصِدُ بِدُعَائِهِ رَبَّهُ إِلَّا هِدَايَتَهُ إِلَى الطُّرُقِ وَالْأَسْبَابِ الَّتِي جَرَتْ سُنَّتُهُ تَعَالَى بِأَنْ تَحْصُلَ الرَّغَائِبُ بِهَا، وَتَوْفِيقُهُ وَمَعُونَتُهُ فِيهَا، فَهُوَ إِذَا سَأَلَ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَزِيدَ فِي عِلْمِهِ أَوْ فِي رِزْقِهِ فَلَا يَقْصِدُ أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ وَحْيًا يُوحَى، وَلَا أَنْ تُمْطِرَ لَهُ السَّمَاءُ ذَهَبًا وَفِضَّةً، وَكَذَلِكَ إِذَا سَأَلَ اللهَ شِفَاءَ مَرَضِهِ أَوْ مَرِيضِهِ الَّذِي أَعْيَاهُ عِلَاجُهُ فَإِنَّهُ لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَخْرِقَ اللهُ الْعَادَاتِ، أَوْ يَجْعَلَهُ مُؤَيَّدًا بِالْمُعْجِزَاتِ وَالْآيَاتِ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ الْمُؤْمِنُ الْعَارِفُ بِالدُّعَاءِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَوْفِيقِ اللهِ إِيَّاهُ إِلَى الْعِلَاجِ، أَوِ الْعَمَلِ الَّذِي يَكُونُ سَبَبَ الشِّفَاءِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِإِرْشَادِ مُرْشِدٍ أَوْ بِإِلْهَامٍ إِلَهِيٍّ، فَكَمْ مِنْ عِنَايَةٍ بِالْمُتَوَجِّهِينَ إِلَيْهِ، الدَّاعِينَ لَهُ بَعْدَمَا اجْتَهَدُوا فِي الْأَخْذِ بِالْأَسْبَابِ فَلَمْ يُفْلِحُوا. وَمِنْ عِنَايَتِهِ الْهِدَايَةُ إِلَى سَبَبٍ جَدِيدٍ، وَإِلْهَامُ النَّفْسِ الْعَمَلَ الْمُفِيدَ، وَتَقْوِيَةُ الْمِزَاجِ عَلَى الْمَرَضِ، وَلَا دَلِيلَ فِي الْآيَةِ عَلَى أَنَّ كُلَّ دُعَاءٍ يُجَابُ، بَلْ هِيَ نَفْسُهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجِيبُ الدُّعَاءَ إِلَّا اللهُ، فَيَجِبُ أَلَّا يُدْعَى سِوَاهُ (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا) (72: 18) فَعَسَى أَنْ يَهْتَدِيَ بِهَذَا الْمَوْسُومُونَ بِسِمَةِ الْإِيمَانِ، الَّذِينَ يَدْعُونَ عِنْدَ الضِّيقِ غَيْرَ الرَّحْمَنِ، وَيَتَوَجَّهُونَ إِلَى الْقُبُورِ: يَا فُلَانُ يَا فُلَانُ. وَيَتَأَوَّلُ لَهُمْ هَذَا الشِّرْكَ أَدْعِيَاءُ الْعِلْمِ وَالْعِرْفَانِ، بِأَنَّ الْكَرَامَاتِ ثَابِتَةٌ عِنْدَهُمْ لِلْأَمْوَاتِ كَالْأَحْيَاءِ، وَلَكِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ لَهُمْ: (بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ) (6: 41)
وَانْظُرْ كَيْفَ لَمْ يَقُلْ: إِنَّهُ يُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي حَتَّى قَيَّدَهَا بِقَوْلِهِ: (إِذَا دَعَانِ) قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ مَا مِثَالُهُ: إِنَّ الدَّاعِيَ شَخْصٌ يَطْلُبُ شَيْئًا، وَهُوَ يَصْدُقُ عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ الَّذِينَ يَطْلُبُونَ كُلَّ يَوْمٍ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً، وَلَيْسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُتَحَقِّقًا بِدُعَاءِ اللهِ تَعَالَى وَحْدَهُ كَمَا يَجِبُ أَنْ يُدْعَى، فَهُوَ يَقُولُ: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا خَصَّنِي بِالدُّعَاءِ وَالْتَجَأَ إِلَيَّ الْتِجَاءً حَقِيقِيًّا بِحَيْثُ ذَهَبَ عَنْ نَفْسِهِ إِلَيَّ، وَشَعَرَ قَلْبُهُ بِأَنَّهُ لَا مَلْجَأَ لَهُ إِلَّا إِلَيَّ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَطْمَعُ فِي غَيْرِ مَطْمَعٍ، وَلَا يَطْلُبُ مَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُطْلَبَ، وَإِنَّمَا يَمْتَثِلُ أَمْرَ اللهِ تَعَالَى بِاتِّخَاذِ جَمِيعِ الْوَسَائِلِ مِنْ طُرُقِهَا الصَّحِيحَةِ الْمَعْرُوفَةِ
وَهِيَ لَا تَتَحَقَّقُ إِلَّا بِالْعِلْمِ وَالْعَزِيمَةِ وَالْعَمَلِ، فَإِنْ تَمَّ لِلْعَبْدِ مَا يُرِيدُ بِذَلِكَ فَقَدْ أَعْطَاهُ اللهُ تَعَالَى مِنْ خَزَائِنِهِ الَّتِي يُفِيضُ مِنْهَا عَلَى جَمِيعِ مُتَّبِعِي سُنَنَهِ فِي الْخَلْقِ، وَإِنْ بَذَلَ جُهْدَهُ وَلَمْ يَظْفَرْ بِسُؤْلِهِ فَمَا عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَلْجَأَ إِلَى مُسَبِّبِ الْأَسْبَابِ وَهَادِي الْقُلُوبِ إِلَى مَا غَابَ عَنْهَا وَخَفِيَ عَلَيْهَا، وَيَطْلُبُ الْمَعُونَةَ وَالتَّوْفِيقَ مِمَّنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إِنَّ مِثْلَ هَذَا يُجَابُ لَا مَحَالَةَ.
وَقَالَتِ الصُّوفِيَّةُ: الدُّعَاءُ الْمُجَابُ هُوَ الدُّعَاءُ بِلِسَانِ الِاسْتِعْدَادِ، وَقَدِ اسْتَعَاذَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنَ الطَّمَعِ فِي غَيْرِ مَطْمَعٍ، فَمَنْ يَتْرُكُ السَّعْيَ وَالْكَسْبَ وَيَقُولُ: ((يَا رَبِّ أَلْفَ جُنَيْهٍ)) فَهُوَ غَيْرُ دَاعٍ، وَإِنَّمَا هُوَ جَاهِلٌ. وَمِثْلُ ذَلِكَ الْمَرِيضُ لَا يُرَاعِي الْحَمِيَّةَ وَلَا يَتَّخِذُ الدَّوَاءَ، وَيَقُولُ: رَبِّ اشْفِنِي وَعَافِنِي، كَأَنَّهُ يَقُولُ: اللهُمَّ أَبْطِلْ سُنَنَكَ الَّتِي قُلْتَ: إِنَّهَا لَا تُبَدَّلُ وَلَا تُحَوَّلُ لِأَجْلِي

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 137
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست