responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 129
الَّذِي يَقُولُ لَهُمْ كُلَّ شَيْءٍ - يَعْنِي مُحَمَّدًا خَاتَمَ النَّبِيِّينَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَسَيَرَى الْقَارِئُ تَفْصِيلَ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَلَكِنْ لَمْ يُنْقَلْ إِلَيْنَا أَنَّ الصَّحَابَةَ عَمِيَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ فَلَمْ يَفْهَمُوهَا، وَلَا أَنَّ عُلَمَاءَ السَّلَفِ حَارُوا فِي شَيْءٍ مِنْهَا، فَالْقُرْآنُ يَمْتَازُ عَلَى سَائِرِ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ بِأَنَّهُ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مِنَ الْهُدَى الَّذِي تُوصَفُ بِهِ كُلُّهَا، وَبَيِّنَاتٌ مِنَ الْأَمْرِ الْإِلَهِيِّ الْفَارِقِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، بَيْدَ أَنَّ الْمُقَلِّدِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَرْضَوْا كَافَّةً بِأَنْ يَمْتَازَ الْقُرْآنُ بِالْبَيَانِ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ بَيَانٌ وَالْهُدَى لِجَمِيعِ النَّاسِ - كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ - فَحَاوَلَ بَعْضُهُمْ تَغْمِيضَهُ، وَسَلَّمَ لَهُمْ مُقَلِّدَتُهُمْ أَنَّهُ غَامِضٌ لَا يَفْهَمُهُ إِلَّا أَفْرَادٌ مِنَ النَّاسِ أُوتُوا عِلْمًا جَمًّا، وَفَاقُوا سَائِرَ الْبَشَرِ بِعُقُولِهِمْ وَأَفْهَامِهِمْ، كَمَا فَاقُوهُمْ بِعُلُومِهِمْ وَمَعَارِفِهِمْ، ثُمَّ زَعَمُوا أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَفْرَادَ كَانُوا فِي بَعْضِ الْقُرُونِ الْأُولَى وَهُمُ الْمُجْتَهِدُونَ، وَأَنَّهُمْ قَدِ انْقَرَضُوا وَلَمْ يَأْتِ بَعْدَهُمْ وَلَنْ يَأْتِيَ مَنْ يَسْهُلُ عَلَيْهِ أَنْ يَفْهَمَ الْقُرْآنَ وَلَوْ أَحْكَامَهُ فَقَطْ، وَتَجِدُ هَذَا الْقَوْلَ الْمُنَاقِضَ لِلْقُرْآنِ وَالنَّاقِضَ لَهُ مُسَلَّمًا بَيْنَ جَمَاهِيرِ الْمُسْلِمِينَ الْمُقَلِّدِينَ، حَتَّى الَّذِينَ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ عُلَمَاءُ الدِّينِ، وَمَنْ نَبَذَهُ اهْتِدَاءً بِالْقُرْآنِ، رُبَّمَا نَبَذُوهُ بِلَقَبِ الْكُفْرِ وَالطُّغْيَانِ، فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِصِدْقِ الْإِيمَانِ؟ أَمَا وَسِرِّ الْحَقِّ لَوْلَا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَبَّسُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْقُرْآنِ مَا يَلْبَسُونَ، وَحَكَّمُوا فِيهِ آرَاءَ مَنْ يُقَلِّدُونَ لَكَانَ نُورُ بَيَانِهِ مُشْرِقًا عَلَيْهِمْ وَعَلَى سَائِرِ النَّاسِ، كَالشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ، وَلَكِنَّهُمْ أَبَوْا إِلَّا أَنْ يَتَّبِعُوا سَنَنَ مَنْ قَبْلَهُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، وَيَضَعُوا كُتُبًا فِي الدِّينِ يَزْعُمُونَ أَنَّ بَيَانَهَا أَجْلَى، وَالِاهْتِدَاءَ بِهَا أَوْلَى ; لِأَنَّهَا بِزَعْمِهِمْ أَبْيَنُ حُكْمًا، وَأَقْرَبُ إِلَى الْأَذْهَانِ فَهْمًا.
قُلْنَا: إِنَّ اللهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلَيْنَا صِيَامَ هَذَا الشَّهْرِ بِخُصُوصِهِ، تَذْكِيرًا بِنِعْمَتِهِ عَلَيْنَا بِإِنْزَالِ الْقُرْآنِ فِيهِ لِنَصُومَهُ شُكْرًا لَهُ عَلَيْهَا، وَمِنَ الشُّكْرِ أَنْ تَكُونَ هِدَايَتُنَا بِالْقُرْآنِ فِي مِثْلِ وَقْتِ نُزُولِهِ أَكْمَلَ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الصِّيَامُ مُوَصِّلًا إِلَى حَقِيقَةِ التَّقْوَى، فَإِذَا لَمْ نَنْتَفِعْ بِالصِّيَامِ فِي أَخْلَاقِنَا وَأَعْمَالِنَا، وَلَمْ نَهْتَدِ بِالْقُرْآنِ فِي عَامَّةِ أَحْوَالِنَا، فَأَيْنَ الِانْتِفَاعُ بِالنِّعْمَةِ وَأَيْنَ الشُّكْرُ عَلَيْهَا؟ كَانَ جِبْرِيلُ يُدَارِسُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقُرْآنَ فِي رَمَضَانَ، وَلِذَلِكَ كَانَ السَّلَفُ يَتَدَارَسُونَهُ فِيهِ وَيَقُومُونَ لَيْلَهُ بِهِ لِزِيَادَةِ الِاهْتِدَاءِ وَالِاعْتِبَارِ، فَمَاذَا كَانَ مِنِ اقْتِدَاءِ الْخَلَفِ بِهِمْ؟ كَانَ أَنَّ بَعْضَ الْوُجَهَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ يَسْتَحْضِرُونَ فِي رَمَضَانَ مِنَ الْقُرَّاءِ مَنْ كَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى لَهُمْ بِالْقُرْآنِ فِي حُجُرَاتِ الْخَدَمِ وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ مَعَ أَمْثَالِهِمْ وَأَقْتَالِهِمْ لَاهُونَ لَاعِبُونَ، وَمَنْ عَسَاهُ يُصْغِي مِنْهُمْ أَحْيَانًا إِلَى الْقَارِئِ ; فَإِنَّمَا يُرِيدُ التَّلَذُّذَ بِسَمَاعِ صَوْتِهِ الْحَسَنِ وَتَوْقِيعِهِ الْغِنَائِيِّ، فَقَدْ جَعَلُوا الْقُرْآنَ إِمَّا مَهْجُورًا، وَإِمَّا لَذَّةً نَفْسِيَّةً فَصَدَقَ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ: (اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا) (6: 70) .

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 129
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست