responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 376
الْكَلِمَةُ الْأُولَى فِي الْهِجْرَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ:
كَانَ مِنْ حِكْمَةِ اللهِ تَعَالَى فِي رِسَالَةِ مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، الْمُرْسَلِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَمُصْلِحًا لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ، أَنَّ أَعْدَلَهَا فِي الْمَرْتَبَةِ الْأَوْلَى الْأُمَّةُ الْعَرَبِيَّةُ الْأُمِّيَّةُ بِاسْتِقْلَالِ الْفِكْرِ، وَقُوَّةِ الْإِرَادَةِ، وَذَكَاءِ الْقَرِيحَةِ، وَارْتِقَاءِ اللُّغَةِ وَالسَّلَامَةِ، مِمَّا مُنِيَتْ بِهِ أُمَمُ الْحَضَارَةِ مِنَ الِاسْتِذْلَالِ وَالِاسْتِعْبَادِ لِلْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ وَرُؤَسَاءِ الدِّينِ. ثُمَّ كَانَ مِنْ حِكْمَتِهِ تَعَالَى أَنْ عَادَى هَذِهِ الدَّعْوَةَ وَالْقَائِمَ بِهَا كُبَرَاءُ قَوْمِهِ قُرَيْشٍ، كِبْرًا وَبَغْيًا وَعُلُوًّا وَاسْتِكْبَارًا عَنِ الِاعْتِرَافِ بِضَلَالِهِمْ وَضَلَالِ آبَائِهِمْ وَأَجْدَادِهِمْ فِي شِرْكِهِمْ، لِئَلَّا يَكُونَ فِي ظُهُورِهَا بِالْحَقِّ شُبْهَةٌ يُظُنُّ بِهَا أَنَّهَا إِنَّمَا قَامَتْ بِعَصَبِيَّةِ قُرَيْشٍ، وَكَانَ لَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِضْعَةُ أَعْمَامٍ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ مِنْهُمْ مِنَ السَّابِقِينَ إِلَّا حَمْزَةُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ أَخُوهُ فِي الرَّضَاعِ وَقَرِيبُهُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ، فَإِنَّ أُمَّهُ ابْنَةُ عَمِّ آمِنَةَ أُمِّ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، وَقَدْ آمَنَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ بِعْثَتِهِ. وَكَانَ أَبُو لَهَبٍ عَمُّهُ الْكَبِيرُ الْغَنِيُّ أَوَّلَ مَنْ صَارَحَهُ الْعَدَاوَةَ، فَقَالَ لِقُرَيْشٍ: خُذُوا عَلَى يَدَيْهِ، قَبْلَ أَنْ تَجْتَمِعَ الْعَرَبُ عَلَيْهِ. وَحَسْبُكَ مَا أَنْزَلَ
اللهُ فِيهِ وَفِي امْرَأَتِهِ حَمَّالَةِ الْحَطَبِ، وَكَانَ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ هُوَ الَّذِي كَفَلَهُ بَعْدَ وَفَاةِ جَدِّهِ شَيْبَةَ الْحَمْدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَحْمِيهِ وَيُدَافِعُ عَنْهُ لِعَصَبِيَّةِ الْقَرَابَةِ وَالتَّرْبِيَةِ، وَكَانَ لِزَوْجِهِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ خَدِيجَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ـ مَقَامٌ كَبِيرٌ فِي قُرَيْشٍ، كَانَ لَهُ تَأْثِيرٌ سَلْبِيٌّ فِي تَقْلِيلِ إِيذَائِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، وَقَدْ تُوُفِّيَتْ هِيَ وَأَبُو طَالِبٍ فِي أُسْبُوعٍ وَاحِدٍ، فَاشْتَدَّ إِيذَاءُ قُرَيْشٍ لَهُ بَعْدَهُمَا، حَتَّى أَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِهِ قِتَلَةً تَشْتَرِكُ فِيهَا جَمِيعُ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ، بِأَنْ يَأْخُذُوا مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ مِنْهَا شَابًّا نَهْدًا قَوِيًّا يُعْطُونَهُ سَيْفًا فَيَحْمِلُ عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ الشُّبَّانُ حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَيُقَطِّعُونَهُ بِسُيُوفِهِمْ؛ لِيَضِيعَ دَمُهُ بَيْنَ الْقَبَائِلِ، وَيَتَعَذَّرَ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ الْأَخْذُ بِثَأْرِهِ عَلَى حَسَبِ عَادَةِ الْعَرَبِ فَيَرْضَوْنَ بِالدِّيَةِ. عِنْدَ هَذَا أَمَرَهُ اللهُ تَعَالَى بِالْهِجْرَةِ إِلَى يَثْرِبَ الَّتِي صَارَ اسْمُهَا الْمَدِينَةَ الْمُنَوَّرَةَ بِهِجْرَتِهِ إِلَيْهَا، وَكَانَ قَدْ آمَنَ بِهِ وَبَايَعَهُ مَنْ أَهْلِهَا الْأَنْصَارُ فِي الْمَوْسِمِ مَنْ جَعَلَهُمُ اللهُ تَعَالَى مُقَدِّمَةً لِإِيمَانِ غَيْرِهِمْ مِنَ الْأَنْصَارِ الْكِرَامِ.
لَمْ يُكَاشِفِ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِهِجْرَتِهِ أَحَدًا غَيْرَ صَاحِبِهِ الْأَوَّلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: الَّذِي كَانَ أَوَّلَ مَنْ آمَنُ بِهِ مِمَّنْ دَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ أَهْلِ بَيْتِهِ (وَهُمْ زَوْجُهُ خَدِيجَةُ وَعَتِيقُهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَرَبِيبُهُ عَلِيٌّ، وَكَانَ دُونَ الْبُلُوغِ، وَهَؤُلَاءِ قَدْ عَلِمُوا بِنُبُوَّتِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَصَدَّقُوهُ قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ اللهُ بِالْجَهْرِ بِالدَّعْوَةِ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ صَاحِبَهُ الْمُلَازِمَ، وَمُسْتَشَارَهُ الدَّائِمَ، وَوَزِيرَهُ الْأَكْبَرَ وَمَوْضِعَ سِرِّهِ، وَإِنَّمَا كَانَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَشَدَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ اسْتِعْدَادًا لِنُورِ الْإِسْلَامِ بِسَلَامَةِ فِطْرَتِهِ، وَطَهَارَةِ نَفْسِهِ، وَقُوَّةِ عَقْلِهِ، وَعِرْفَانِهِ بِفَضَائِلِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، وَقَدْ كَانَ صَدِيقُهُ مِنْ سِنِّ الشَّبَابِ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 376
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست