responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 371
مِنْ سُورَةِ الْأَنْفَالِ، وَسَيُعَادُ مُخْتَصَرًا فِي هَذَا السِّيَاقِ، وَيَتْلُوهُ تَذْكِيرُهُمْ بِإِيوَائِهِ مَعَ صَاحِبِهِ إِلَى الْغَارِ لَا يَمْلِكَانِ مِنْ أَسْبَابِ الدِّفَاعِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا شَيْئًا، ثُمَّ يَخُصُّ بِالذِّكْرِ وَقْتَ قَوْلِهِ لِصَاحِبِهِ: لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا أَيْ: أَنَّهُ كَانَ هُوَ الَّذِي يُسَلِّي صَاحِبَهُ وَيُثَبِّتُهُ لَا أَنَّهُ كَانَ يَتَثَبَّتُ بِهِ (وَهَكَذَا. كَانَ شَأْنُهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مَعَ أَصْحَابِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ يَشْتَدُّ فِيهِ الْقِتَالُ أَيْضًا) وَكَوْنُ سَبَبِ ذَلِكَ وَعِلَّتِهِ إِيمَانُهُ الْأَكْمَلُ بِمَعِيَّةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ الْخَاصَّةِ. فَالْعِبْرَةُ لَهُمْ فِي هَذِهِ الذِّكْرَيَاتِ الثَّلَاثِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنْ نَفْرِهِمْ مَعَ رَسُولِهِ بِقُدْرَتِهِ وَعِزَّتِهِ، وَأَنَّ رَسُولَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ غَنِيٌّ عَنْ نَصْرِهِمْ لَهُ بِنَصْرِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَأْيِيدِهِ، وَبِقُدْرَتِهِ عَلَى تَسْخِيرِ غَيْرِهِمْ لَهُ مِنْ جُنُودِهِ وَعِبَادِهِ، وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى أَثَرَ ذَلِكَ وَعَاقِبَتَهُ بِقَوْلِهِ.
فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ وَابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ فِي قَوْلِهِ: فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ قَالَ: عَلَى أَبِي بَكْرٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَمْ تَزَلِ السَّكِينَةُ
مَعَهُ. وَأَخْرَجَ الْخَطِيبُ فِي تَارِيخِهِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ قَالَ: عَلَى أَبِي بَكْرٍ. فَأَمَّا النَّبِيُّ فَقَدْ كَانَتْ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ. وَقَدْ أَخَذَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ بَعْضُ مُفَسِّرِي اللُّغَةِ وَالْمَعْقُولِ، وَوَضَّحُوا مَا فِيهَا مِنَ التَّعْلِيلِ بِأَنَّهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَمْ يَحْدُثْ لَهُ وَقْتَئِذٍ اضْطِرَابٌ وَلَا خَوْفٌ وَلَا حُزْنٌ، وَقَوَّاهَا بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الضَّمِيرِ أَنْ يَعُودَ إِلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ وَهُوَ الصَّاحِبُ، وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ. وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ إِلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، وَأَنَّ إِنْزَالَ السَّكِينَةِ عَلَيْهِ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ خَائِفًا أَوْ مُضْطَرِبًا أَوْ مُنْزَعِجًا، وَهَذَا ضَعِيفٌ لِعَطْفِ إِنْزَالِ السَّكِينَةِ عَلَى مَا قَبْلَهَا بِالْفَاءِ الدَّالِّ عَلَى وُقُوعِهِ بَعْدَهُ وَتَرَتُّبُهُ عَلَيْهِ، وَأَنَّ نُزُولَهَا وَقَعَ بَعْدَ قَوْلِهِ لِصَاحِبِهِ: لَا تَحْزَنْ وَلَكِنَّهُمْ قَوَّوْهُ بِأَنَّ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ: وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا لَا يَصِحُّ إِلَّا لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَالْمُرَادُ بِهَؤُلَاءِ الْجُنُودِ الْمَلَائِكَةُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَعْطُوْفَاتِ التَّعَانُقُ وَعَدَمُ التَّفَكُّكِ. وَأَجَابَ عَنْهُ الْآخِذُونَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ - أَوَّلًا - بِأَنَّ التَّأْيِيدَ بِالْجُنُودِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ لَا عَلَى: فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ - ثَانِيًا - بِأَنَّ تَفَكُّكَ الضَّمَائِرِ لَا يَضُرُّ إِذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنْ كُلٍّ مِنْهَا ظَاهِرًا لَا اشْتِبَاهَ فِيهِ - ثَالِثًا - بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مَنْ جَعْلِ التَّأْيِيدِ لِأَبِي بَكْرٍ، نَقَلَهُ الْآلُوْسِيُّ وَقَالَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: " إِنَّ اللهَ تَعَالَى أَنْزَلَ سَكِينَتَهُ عَلَيْكَ وَأَيَّدَكَ " إِلَخْ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْجُنُودِ مَا أَيَّدَهُ اللهُ تَعَالَى بِهِ يَوْمَ بَدْرٍ وَالْأَحْزَابِ وَحُنَيْنٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُ أَيَّدَهُ بِمَلَائِكَةٍ فِي حَالَةِ الْهِجْرَةِ يَسْتُرُونَهُ هُوَ وَصَاحِبُهُ عَنْ أَعْيُنِ الْكُفَّارِ وَيَصْرِفُونَهَا عَنْهُمَا، فَقَدْ خَرَجَ مِنْ دَارِهِ وَالشُّبَّانُ الْمُتَوَاطِئُونَ عَلَى قَتْلِهِ وُقُوفٌ وَلَمْ يَنْظُرُوهُ. وَإِنَّنَا نَرْجِعُ إِلَى سَائِرِ مَا فِي التَّنْزِيلِ مِنْ ذِكْرِ إِنْزَالِ السَّكِينَةِ وَالتَّأْيِيدِ بِالْمَلَائِكَةِ لِنَسْتَمِدَّ مِنْهَا فَهْمَ مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 371
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست