responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 153
مِنَ الْمَعَاصِي لَا يَخْرُجُ تَارِكُ إِحْدَاهُمَا وَلَا كِلْتَيْهِمَا مِنَ الْإِسْلَامِ، كَمَا يَقْتَضِيهِ هَذَا الْحَدِيثُ، وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثَيِ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ، وَقَالَ الْآخَرُونَ: إِنَّ فِيهِمَا زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، وَالْمُطْلَقُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ.
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَةِ وَالْأَحَادِيثِ الْمُخْتَلِفَةِ الْأَلْفَاظِ فِي مَعْنَاهَا وَاحِدٌ، وَهُوَ تَرْكُ الْكُفْرِ وَالدُّخُولُ فِي الْإِسْلَامِ، وَلِلدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ صِيغَةٌ وَعُنْوَانٌ يُكْتَفَى بِهِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، وَلَا سِيَّمَا مَوَاقِفُ الْقِتَالِ، وَهُوَ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ. وَقَدْ يُكْتَفَى مِنَ الْمُشْرِكِ بِكَلِمَةِ: " لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ "؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُنْكِرُونَهَا، وَهِيَ أَوَّلُ مَا دُعُوا إِلَيْهِ، بَلْ أَنْكَرَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَتْلَ مَنْ قَتَلَ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ بَعْدَ قَوْلِهِمْ " صَبَأْنَا " وَقَالَ: " اللهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا فَعَلَ خَالِدٌ " وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُعَبِّرُونَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ عَنِ الْإِسْلَامِ فَيَقُولُونَ: صَبَأَ فُلَانٌ، إِذَا أَسْلَمَ، وَالْحَدِيثُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ.
وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَقُولُ فِي كُلِّ مَقَامٍ مَا يُنَاسِبُهُ، وَالْمُرَادُ وَاحِدٌ يُعْلَمُ مِنْ جُمْلَةِ أَقْوَالِهِ عِلْمًا قَطْعِيًّا، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَرْكِ الْكُفْرِ، وَالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ الَّذِي لَا يَتَحَقَّقُ بَعْدَ النُّطْقِ بِعُنْوَانِهِ مِنَ الشَّهَادَتَيْنِ أَوْ إِحْدَاهِمَا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ إِلَّا بِإِقَامَةِ أَرْكَانِهِ،
وَالْتِزَامِ أَحْكَامِهِ بِقَدْرِ الِاسْتِطَاعَةِ، بِحَيْثُ إِذَا تَرَكَ الْمُسْلِمُ شَيْئًا مِنْهَا بِجَهَالَةٍ مِنْ ثَوْرَةِ غَضَبٍ أَوْ ثَوْرَةِ شَهْوَةٍ أَوْ كَسَلٍ تَابَ إِلَى اللهِ تَعَالَى وَاسْتَغْفَرَهُ.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْيَهُودَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ كَانُوا يَقُولُونَ: " لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ " فَالنُّطْقُ بِهَا وَحْدَهَا مِنْ أَحَدِهِمْ لَا يَدُلُّ عَلَى قَبُولِ الْإِسْلَامِ كَمَا يَدُلُّ قَوْلُ أَحَدِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ لَهَا، وَوُجِدَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ كَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ إِلَى الْعَرَبِ وَحْدَهُمْ، وَقَدِ اتَّفَقَ عُلَمَاؤُنَا بِحَقٍّ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ " لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ " لَا يُعْتَدُّ بِإِسْلَامِهِ إِلَّا إِذَا اعْتَرَفَ بِعُمُومِ رِسَالَتِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا (34: 28) وَمَا فِي مَعْنَاهُ.
فَالْإِسْلَامُ هُوَ الْإِذْعَانُ الْعَمَلِيُّ لِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ فِعْلًا كَانَ أَوْ تَرْكًا. وَلَا يَكُونُ الْإِذْعَانُ بِالْعَمَلِ إِسْلَامًا صَحِيحًا مَقْبُولًا عِنْدَ اللهِ تَعَالَى إِلَّا إِذَا كَانَ إِذْعَانًا نَفْسِيًّا وِجْدَانِيًّا يَبْعَثُهُ الْإِيمَانُ بِصِحَّةِ رِسَالَتِهِ، فَإِنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَقُولُونَ لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ، وَيُصَلُّونَ وَيُزَكُّونَ وَيُجَاهِدُونَ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (63. 1) وَمَتَى كَانَ الْإِيمَانُ يَقِينِيًّا، كَانَ الْإِذْعَانُ نَفْسِيًّا وِجْدَانِيًّا، وَتَبِعَهُ الْعَمَلُ بِالضَّرُورَةِ فِي جُمْلَةِ التَّكَالِيفِ وَعَامَّةِ الْأَوْقَاتِ. وَلَا يُنَافِيهِ تَرْكُ وَاجِبٍ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِصَارِفٍ عَارِضٍ، أَوْ فِعْلِ مَحْظُورٍ لِعَارِضٍ غَالِبٍ. بِحَيْثُ إِذَا زَالَ السَّبَبُ نَدِمَ الْمُخَالِفِ. وَلَامَ نَفْسَهُ، وَاسْتَغْفَرَ اللهَ، كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 153
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست