responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 8  صفحه : 234
وَقَوْلُهُ: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأرْضِ نَبَاتًا} هَذَا اسم مصدر، والإتيان به هاهنا أَحْسَنُ، {ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا} أَيْ: إِذَا مُتُّمْ {وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا} أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعِيدُكُمْ كَمَا بَدَأَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ.
{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ بِسَاطًا} أَيْ: بَسَطَهَا وَمَهَّدَهَا وَقَرَّرَهَا وثَبتها بِالْجِبَالِ الرَّاسِيَاتِ الشُّمِّ الشَّامِخَاتِ.
{لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلا فِجَاجًا} أَيْ: خَلَقَهَا لَكُمْ لِتَسْتَقِرُّوا عَلَيْهَا وَتَسْلُكُوا فِيهَا [1] أَيْنَ شِئْتُمْ، مِنْ نَوَاحِيهَا وَأَرْجَائِهَا وَأَقْطَارِهَا، وَكُلُّ هَذَا مِمَّا يُنَبِّهُهُمْ بِهِ نُوحٌ، عَلَيْهِ السَّلَامُ على قدرة الله وعظمته في خلق السموات وَالْأَرْضِ، وَنِعَمِهِ عَلَيْهِمْ فِيمَا جَعَلَ لَهُمْ مِنَ الْمَنَافِعِ السَّمَاوِيَّةِ وَالْأَرْضِيَّةِ، فَهُوَ الْخَالِقُ الرَّزَّاقُ، جَعَلَ السَّمَاءَ بِنَاءً، وَالْأَرْضَ مِهَادًا، وَأَوْسَعَ [2] عَلَى خَلْقِهِ مِنْ رِزْقِهِ، فَهُوَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعْبَدَ وَيُوَحَّدَ وَلَا يُشْرَكَ بِهِ أَحَدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا نَظِيرَ لَهُ وَلَا عَديل [3] لَهُ، وَلَا نِدَّ وَلَا كُفْءَ، وَلَا صَاحِبَةَ وَلَا وَلَدَ، وَلَا وَزِيرَ وَلَا مُشِيرَ، بَلْ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ.
{قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلا ضَلالا (24) }
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ نُوحٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّهُ أَنْهَى إِلَيْهِ، وَهُوَ الْعَلِيمُ الَّذِي لَا يَعْزُبُ عَنْهُ شَيْءٌ، أَنَّهُ مَعَ الْبَيَانِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ، وَالدَّعْوَةِ الْمُتَنَوِّعَةِ الْمُتَشَمِّلَةِ عَلَى التَّرْغِيبِ تَارَةً وَالتَّرْهِيبِ أُخْرَى: أَنَّهُمْ عَصَوْهُ وَكَذَّبُوهُ وَخَالَفُوهُ، وَاتَّبَعُوا أَبْنَاءَ الدُّنْيَا مِمَّنْ غَفَلَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ، وَمُتِّعَ بِمَالٍ وَأَوْلَادٍ، وَهِيَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ اسْتِدْرَاجٌ وَإِنْظَارٌ لَا إِكْرَامٌ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلا خَسَارًا} قُرئ {وَوُلْدُهُ} بِالضَّمِّ وَبِالْفَتْحِ، وَكِلَاهُمَا مُتَقَارِبٌ.
وَقَوْلُهُ: {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا} قَالَ مُجَاهِدٌ: {كُبَّارًا} أَيْ عَظِيمًا. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: {كُبَّارًا} أَيْ: كَبِيرًا. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَمْرٌ عَجِيبٌ وعُجَاب وعُجَّاب. وَرَجُلٌ حُسَان. وحُسَّان: وجُمَال وجُمَّال، بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ، بِمَعْنًى وَاحِدٍ.
وَالْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ: {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا} أَيْ: بِاتِّبَاعِهِمْ فِي تَسْوِيلِهِمْ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَالْهُدَى، كَمَا يَقُولُونَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا} [سَبَأٍ:33] وَلِهَذَا قَالَ هَاهُنَا: {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} وَهَذِهِ أَسْمَاءُ أَصْنَامِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَقَالَ عَطَاءٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: صَارَتِ الْأَوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ فِي الْعَرَبِ بَعْدُ: أَمَّا وَد: فَكَانَتْ لكلب بدومة الجندل؛ وأما

[1] في م: "منها".
[2] في م: "ووسع".
[3] في م، أ: "ولا عدل".
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 8  صفحه : 234
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست