responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 8  صفحه : 233
هَذِهِ الْآيَةُ {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ طَلَبْتُ الْغَيْثَ بِمَجَادِيحِ السَّمَاءِ [1] الَّتِي سَتُنْزِلُ بِهَا الْمَطَرَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: يَتْبَعُ بَعْضُهُ بَعْضًا.
وَقَوْلُهُ: {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} أَيْ: إِذَا تُبْتُمْ إِلَى اللَّهِ وَاسْتَغْفَرْتُمُوهُ وَأَطَعْتُمُوهُ، كَثُرَ الرِّزْقُ عَلَيْكُمْ، وَأَسْقَاكُمْ مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، وَأَنْبَتَ لَكُمْ مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ، وَأَنْبَتَ لَكُمُ الزَّرْعَ، وَأَدَرَّ لَكُمُ الضَّرْعَ، وَأَمَدَّكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ، أَيْ: أَعْطَاكُمُ الْأَمْوَالَ وَالْأَوْلَادَ، وَجَعَلَ لَكُمْ جَنَّاتٍ فِيهَا أَنْوَاعَ الثِّمَارِ، وَخَلَّلَهَا بِالْأَنْهَارِ الْجَارِيَةِ بَيْنَهَا.
هَذَا مَقَامُ الدَّعْوَةِ بِالتَّرْغِيبِ. ثُمَّ عَدَلَ بِهِمْ إِلَى دَعْوَتِهِمْ بِالتَّرْهِيبِ فَقَالَ: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} أَيْ: عَظْمَةً قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالضَّحَّاكُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تُعَظِّمُونَ اللَّهَ حَقَّ عَظَمَتِهِ، أَيْ: لَا تَخَافُونَ مِنْ بَأْسِهِ وَنِقْمَتِهِ.
{وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} قِيلَ: مَعْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ، ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ، ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَقَتَادَةُ، وَيَحْيَى بْنُ رَافِعٍ، وَالسُّدِّيُّ، وَابْنُ زَيْدٍ.
وَقَوْلُهُ: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا} ؟ أَيْ: وَاحِدَةً فَوْقَ وَاحِدَةٍ، وَهَلْ هَذَا يُتَلَقَّى مِنْ جِهَةِ السَّمْعِ فَقَطْ؟ أَوْ هِيَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُدْرَكَةِ بِالْحِسِّ، مِمَّا عُلِمَ مِنَ التَّسْيِيرِ وَالْكُسُوفَاتِ، فَإِنَّ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ السَّيَّارَةَ يَكْسِفُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَأَدْنَاهَا الْقَمَرُ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَهُوَ يَكْسِفُ مَا فَوْقَهُ، وَعُطَارِدُ فِي الثَّانِيَةِ، وَالزُّهَرَةُ فِي الثَّالِثَةِ، وَالشَّمْسُ فِي الرَّابِعَةِ، وَالْمَرِّيخُ فِي الْخَامِسَةِ، وَالْمُشْتَرِي فِي السَّادِسَةِ، وَزُحَلُ فِي السَّابِعَةِ. وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْكَوَاكِبِ -وَهِيَ الثَّوَابِتُ-فَفِي فَلَك ثَامِنٍ يُسَمُّونَهُ فَلَكَ الثَّوَابِتِ. وَالْمُتَشَرِّعُونَ مِنْهُمْ يَقُولُونَ: هُوَ الْكُرْسِيُّ، وَالْفَلَكُ التَّاسِعُ، وَهُوَ الْأَطْلَسُ. وَالْأَثِيرُ عِنْدَهُمُ الَّذِي حَرَكَتُهُ عَلَى خِلَافِ حَرَكَةِ سَائِرِ الْأَفْلَاكِ، وَذَلِكَ أَنَّ حَرَكَتَهُ مَبْدَأُ الْحَرَكَاتِ، وَهِيَ مِنَ الْمَغْرِبِ إِلَى الْمَشْرِقِ؛ وَسَائِرُ الْأَفْلَاكِ عَكْسُهُ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَمَعَهَا يَدُورُ سَائِرُ الْكَوَاكِبِ تَبَعًا، وَلَكِنْ لِلسَّيَّارَةِ حَرَكَةٌ مُعَاكِسَةٌ لِحَرَكَةِ أَفْلَاكِهَا، فَإِنَّهَا تَسِيرُ مِنَ الْمَغْرِبِ إِلَى الْمَشْرِقِ. وَكُّلٌ يَقْطَعُ فَلَكَهُ بِحَسْبِهِ، فَالْقَمَرُ يَقْطَعُ فَلَكَهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً، وَالشَّمْسُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَزُحَلُ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ سَنَةً مَرَّةً، وَذَلِكَ بِحَسْبِ اتِّسَاعِ أَفْلَاكِهَا وَإِنْ كَانَتْ حَرَكَةُ الْجَمْعِ فِي السُّرْعَةِ مُتَنَاسِبَةً. هَذَا مُلَخَّصُ مَا يَقُولُونَهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ، عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَهُمْ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، لَسْنَا بِصَدَدِ بَيَانِهَا، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ: {خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} أَيْ: فَاوَتَ بَيْنَهُمَا فِي الِاسْتِنَارَةِ فَجَعَلَ كُلًّا مِنْهُمَا أُنْمُوذَجًا عَلَى حِدَةٍ، لِيُعْرَفَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ بِمَطْلَعِ الشَّمْسِ وَمَغِيبِهَا، وَقَدَّرَ الْقَمَرَ مَنَازِلَ وَبُرُوجًا، وَفَاوَتَ نُورَهُ، فَتَارَةً يَزْدَادُ حَتَّى يَتَنَاهَى ثُمَّ يَشْرَعُ فِي النَّقْصِ حَتَّى يَسْتَسِرَّ، لِيَدُلَّ عَلَى مُضِيِّ الشُّهُورِ وَالْأَعْوَامِ، كَمَا قَالَ: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [يونس:5] .

[1] في م: "بمجادح"، وفي أ: "بمخارج".
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 8  صفحه : 233
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست