responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 6  صفحه : 405
فِي لِحَافِهَا دُونَ غَيْرِهَا.
وَمِنْ خَصَائِصِهَا: أَنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، لَمَّا أَنْزَلَ عَلَيْهِ آيَةَ التَّخْيِيرِ بَدَأَ بِهَا فَخَيَّرَهَا، فَقَالَ: "وَلَا عَلَيْكِ أَلَّا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ". فَقَالَتْ: أَفِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أبويَّ، فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ. فَاسْتَنَّ بِهَا بَقِيَّةُ أَزْوَاجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقُلْنَ كَمَا قَالَتْ.
وَمِنْ خَصَائِصِهَا: أَنَّ اللَّهَ، سُبْحَانَهُ، بَرَّأَهَا مِمَّا رَمَاهَا بِهِ أَهْلُ الْإِفْكِ، وَأَنْزَلَ فِي عُذْرِهَا، وَبَرَاءَتِهَا، وَحْيًا يُتْلَى فِي مَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ، وَصَلَوَاتِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَشَهِدَ لَهَا أَنَّهَا مِنَ الطَّيِّبَاتِ، وَوَعَدَهَا الْمَغْفِرَةَ وَالرِّزْقَ الْكَرِيمَ، وَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ، أَنَّ مَا قِيلَ فِيهَا مِنَ الْإِفْكِ كَانَ خَيْرًا لَهَا، وَلَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ الَّذِي قِيلَ فِيهَا شَرٌّ لَهَا، وَلَا عَيْبٌ لَهَا، وَلَا خَافِضٌ مِنْ شَأْنِهَا، بَلْ رَفَعَهَا اللَّهُ بِذَلِكَ، وَأَعْلَى قَدْرَهَا وَعَظَّمَ شَأْنَهَا، وَأَصَارَ لَهَا ذِكْرًا بِالطِّيبِ وَالْبَرَاءَةِ بَيْنَ أَهْلِ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، فَيَا لَهَا مِنْ مَنْقَبَةٍ مَا أَجَلَّهَا. وَتَأَمَّلْ هَذَا التَّشْرِيفَ وَالْإِكْرَامَ النَّاشِئَ عَنْ فَرْطِ تَوَاضُعِهَا وَاسْتِصْغَارِهَا لِنَفْسِهَا، حَيْثُ قَالَتْ: وَلِشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فيَّ بِوَحْيٍ يُتْلَى، وَلَكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا، فَهَذِهِ صِّدِّيقَةُ الْأُمَّةِ، وَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَحِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ تَعْلَمُ أَنَّهَا بَرِيئَةٌ مَظْلُومَةٌ، وَأَنَّ قَاذِفِيهَا ظَالِمُونَ مُفْتَرُونَ عَلَيْهَا، قَدْ بَلَغَ أَذَاهُمْ إِلَى أَبَوَيْهَا، وَإِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا كَانَ احْتِقَارَهَا لِنَفْسِهَا وَتَصْغِيرَهَا لِشَأْنِهَا، فَمَا ظَنُّكَ بِمَنْ قَدْ صَامَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، أَوْ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ، قَدْ قَامَ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ، فَظَهَرَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الْأَحْوَالِ، وَلَاحَظُوا أَنْفُسَهُمْ بِعَيْنِ اسْتِحْقَاقِ الْكَرَامَاتِ، وَأَنَّهُمْ مِمَّنْ يُتَبَرَّكُ بِلِقَائِهِمْ، ويُغتنم بِصَالِحِ دُعَائِهِمْ، وَأَنَّهُمْ يَجِبُ عَلَى النَّاسِ احْتِرَامُهُمْ وَتَعْظِيمُهُمْ وَتَعْزِيزُهُمْ وَتَوْقِيرُهُمْ، فَيُتَمَسَّحُ بِأَثْوَابِهِمْ، وَيُقَبَّلُ ثَرَى أَعِتَابِهِمْ، وَأَنَّهُمْ مِنَ اللَّهِ بِالْمَكَانَةِ الَّتِي تَنْتَقِمُ لَهُمْ لِأَجْلِهَا مَنْ تَنَقَّصَهَمْ فِي الْحَالِ، وَأَنْ يُؤْخَذَ مَنْ أَسَاءَ الْأَدَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ إِمْهَالٍ، وَإِنَّ إِسَاءَةَ الْأَدَبِ عَلَيْهِمْ ذَنْبٌ لَا يُكَفِّرُهُ شَيْءٌ إِلَّا رِضَاهُمْ.
وَلَوْ كَانَ هَذَا مِنْ وَرَاءِ كِفَايَةٍ لَهَانَ، وَلَكِنَّ مِنْ وَرَاءِ تَخَلُّفٍ، وَهَذِهِ الْحَمَاقَاتُ وَالرُّعُونَاتُ نِتَاجُ الْجَهْلِ الصَّمِيمِ، وَالْعَقْلِ غَيْرِ الْمُسْتَقِيمِ، فَإِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَصْدُرُ مِنْ جَاهِلٍ مُعْجَبٍ بِنَفْسِهِ، غَافِلٍ عَنْ جُرْمِهِ وَعُيُوبِهِ وَذُنُوبِهِ، مُغْتَرٍّ بِإِمْهَالِ اللَّهِ لَهُ عَنْ أَخْذِهِ بِمَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْكِبْرِ وَالِازْدِرَاءِ عَلَى مَنْ لَعَلَّهُ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْهُ. نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَيَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يَسْتَعِيذَ بِاللَّهِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ نَفْسِهِ عَظِيمًا، وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَقِيرٌ، وَمِنْ خَصَائِصِ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ الْأَكَابِرَ مِنَ الصَّحَابَةِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، كَانَ إِذَا أَشْكَلَ الْأَمْرُ عَلَيْهِمْ مِنَ الدِّينِ، اسْتَفْتَوْهَا فَيَجِدُونَ عِلْمَهُ عِنْدَهَا.
وَمِنْ خَصَائِصِهَا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تُوُفِّيَ فِي بَيْتِهَا. وَمِنْ خَصَائِصِهَا: أَنَّ الْمَلَكَ أَرَى صُورَتَهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي خِرْقَةِ حَرِيرٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ" [1] . وَمِنْ خَصَائِصِهَا: أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَتَحَرَّوْنَ هَدَايَاهُمْ يَوْمَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقَرُّبًا إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيُتْحِفُونَهُ بِمَا يُحِبُّ فِي مَنْزِلِ أَحَبِّ نِسَائِهِ إِلَيْهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، وَتُكَنَّى أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ، وَرُوِيَ أَنَّهَا أَسْقَطَتْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَقْطًا، وَلَا يَثْبُتْ ذَلِكَ.

[1] رواه البخاري في صحيحه برقم (5078) من حديث عائشة، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 6  صفحه : 405
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست