responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 6  صفحه : 139
لَهُ عَقْلٌ فِي دَعْوَاهُ أَنَّ ثَمَّ رِبًّا غَيْرِي.
{قَالَ} أَيْ: مُوسَى لِأُولَئِكَ الَّذِينَ أَوْعَزَ إِلَيْهِمْ فِرْعَوْنُ مَا أَوْعَزَ مِنَ الشُّبْهَةِ، فَأَجَابَ مُوسَى بِقَوْلِهِ: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} أَيْ: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الْمَشْرِقَ مَشْرِقًا تَطَلُعُ مِنْهُ الْكَوَاكِبُ، وَالْمَغْرِبَ مَغْرِبًا تَغْرُبُ فِيهِ [1] الْكَوَاكِبُ، ثَوَابِتُهَا وَسَيَّارَاتُهَا، مَعَ هَذَا النِّظَامِ الَّذِي سَخّرها فِيهِ وَقَدَّرَهَا، فَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ رَبُّكُمْ وَإِلَهُكُمْ صَادِقًا فَلْيَعْكِسِ الْأَمْرَ، وَلِيَجْعَلِ الْمَشْرِقَ مَغْرِبًا، وَالْمَغْرِبَ مَشْرِقًا، كَمَا أَخْبَرَ تَعَالَى عَنِ {الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الْبَقَرَةِ:258] ؛ وَلِهَذَا لَمَّا غُلب فِرْعَوْنُ وَانْقَطَعَتْ حُجَّتُهُ، عَدَلَ إِلَى اسْتِعْمَالِ جَاهِهِ وَقُوَّتِهِ وَسُلْطَانِهِ، وَاعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ نَافِعٌ لَهُ وَنَافِذٌ فِي مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ:
{قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30) قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32) وَنزعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (33) قَالَ لِلْمَلإ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37) }
لَمَّا قَامَتْ عَلَى فِرْعَوْنَ الْحُجَّةُ بِالْبَيَانِ وَالْعَقْلِ، عَدَلَ إِلَى أَنْ يَقْهَرَ مُوسَى بِيَدِهِ وَسُلْطَانِهِ، وَظَنَّ أَنَّهُ لَيْسَ وَرَاءَ هَذَا الْمَقَامِ مَقَالٌ [2] فَقَالَ: {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} . فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ مُوسَى: {أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ} ؟ أَيْ: بِبُرْهَانٍ قَاطِعٍ وَاضِحٍ.
{قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ} أَيْ: ظَاهِرٌ وَاضِحٌ فِي غَايَةِ الْجَلَاءِ وَالْوُضُوحِ وَالْعَظَمَةِ، ذَاتُ قَوَائِمَ وَفَمٍ كَبِيرٍ، وَشَكْلٍ هَائِلٍ مُزْعِجٍ.
{وَنزعَ يَدَهُ} أَيْ: مِنْ جَيْبِهِ {فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ} أَيْ: تَتَلَأْلَأُ كَقِطْعَةٍ مِنَ الْقَمَرِ. فَبَادَرَ فِرْعَوْنُ -بِشَقَائِهِ -إِلَى التَّكْذِيبِ وَالْعِنَادِ، فَقَالَ لِلْمَلَأِ حَوْلَهُ: {إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ} أَيْ: فَاضِلٌ بَارِعٌ فِي السِّحْرِ. فَرَوَّج عَلَيْهِمْ فِرْعَوْنُ أَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ السِّحْرِ لَا مِنْ قَبِيلِ الْمُعْجِزَةِ، ثُمَّ هَيَّجَهُمْ وَحَرَّضَهُمْ عَلَى مُخَالَفَتِهِ، وَالْكُفْرِ بِهِ. فَقَالَ {يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} ؟ أَيْ: أَرَادَ أَنْ يَذْهَبَ بِقُلُوبِ النَّاسِ مَعَهُ بِسَبَبِ هَذَا، فَيُكْثِرَ أَعْوَانَهُ وَأَنْصَارَهُ وَأَتْبَاعَهُ وَيَغْلِبَكُمْ عَلَى دَوْلَتِكُمْ، فَيَأْخُذَ الْبِلَادَ مِنْكُمْ، فَأَشِيرُوا عليَّ فِيهِ مَاذَا أَصْنَعُ بِهِ؟
{قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ} [3] [أَيْ: أخِّره وَأَخَاهُ حَتَّى تَجَمَعَ لَهُ مِنْ مَدَائِنِ مَمْلَكَتِكَ وَأَقَالِيمِ دَوْلَتِكَ كُلَّ سحَّار عَلِيمٍ] [4] يُقَابِلُونَهُ، وَيَأْتُونَ بِنَظِيرِ مَا جَاءَ بِهِ، فَتَغْلِبُهُ أَنْتَ وَتَكُونُ لَكَ النُّصْرَةُ وَالتَّأْيِيدُ. فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ. وَكَانَ هَذَا مِنْ تَسْخِيرِ الله تعالى

[1] في ف، أ: "منه".
[2] في هـ: "مقام" والمثبت من ف، أ.
[3] في أ: "ساحر".
[4] زيادة من ف، أ.
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 6  صفحه : 139
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست