responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 6  صفحه : 138
وَجَاءَ أَمْرٌ آخَرُ، فَقَدْ أَرْسَلَنِي اللَّهُ إِلَيْكَ، فَإِنْ أَطَعْتَهُ سَلمت، وَإِنْ خَالَفْتَهُ عَطبت.
ثُمَّ قَالَ مُوسَى: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} أَيْ: وَمَا أَحْسَنْتَ إِلَيَّ وربَّيْتني مُقَابِلَ مَا أسأتَ إِلَى [1] بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَجَعَلْتَهُمْ عَبِيدًا وَخَدَمًا، تُصَرِّفُهُمْ فِي أَعْمَالِكَ وَمَشَاقِّ رَعِيَّتِكَ، أفَيَفي إِحْسَانُكَ إِلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَا أسأتَ إِلَى مَجْمُوعِهِمْ؟ أَيْ: لَيْسَ مَا ذكرتَه شَيْئًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا فعلتَ بِهِمْ.
{قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28) }
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ كُفْرِ فِرْعَوْنَ، وَتَمَرُّدِهِ وَطُغْيَانِهِ وَجُحُودِهِ، فِي قَوْلِهِ: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} ؟ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِقَوْمِهِ: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [الْقَصَصِ:38] ، {فَاسْتَخَفَّ [2] قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} [الزُّخْرُفِ:54] ، وَكَانُوا يَجْحَدُونَ الصَّانِعَ -تَعَالَى -وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ لَا رَبَّ لَهُمْ سِوَى فِرْعَوْنَ، فَلَمَّا قَالَ لَهُ مُوسَى: {إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الزُّخْرُفِ:46] ، قَالَ لَهُ: ومَنْ هَذَا الَّذِي تَزْعُمُ أَنَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ غَيْرِي؟ هَكَذَا فَسَّرَهُ عُلَمَاءُ السَّلَفِ وَأَئِمَّةُ الْخَلَفِ، حَتَّى قَالَ السُّدِّيُّ: هَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ فَمَنْ [3] رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:49، 50] .
وَمَنْ زَعَمَ مِنْ أَهْلِ الْمَنْطِقِ وَغَيْرِهِمْ؛ أَنَّ هَذَا سُؤَالٌ عَنِ الْمَاهِيَّةِ، فَقَدْ غَلِطَ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِالصَّانِعِ حَتَّى يَسْأَلَ عَنِ الْمَاهِيَّةِ [4] ، بَلْ كَانَ جَاحِدًا لَهُ بِالْكُلِّيَّةِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَإِنْ كَانَتِ الْحُجَجُ وَالْبَرَاهِينُ قَدْ قَامَتْ عَلَيْهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ مُوسَى لَمَّا سأله عن رب العالمين: {قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} أَيْ: خَالِقُ جَمِيعِ ذَلِكَ وَمَالِكُهُ، وَالْمُتَصَرِّفُ فِيهِ وَإِلَهُهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، هُوَ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا، الْعَالَمَ الْعُلْوِيَّ وَمَا فِيهِ مِنَ الْكَوَاكِبِ الثَّوَابِتِ وَالسَّيَّارَاتِ النَّيِّرَاتِ، وَالْعَالَمَ السُّفْلِيَّ وَمَا فِيهِ مِنْ بِحَارٍ وَقِفَارٍ، وَجِبَالٍ وَأَشْجَارٍ، وَحَيَوَانٍ وَنَبَاتٍ وَثِمَارٍ، وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنَ الْهَوَاءِ وَالطُّيُورِ، وَمَا يَحْتَوِي عَلَيْهِ الْجَوُّ، الْجَمِيعُ [5] عَبِيدٌ لَهُ خَاضِعُونَ ذَلِيلُونَ.
{إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ} أَيْ: إِنْ كَانَتْ لَكُمْ قُلُوبٌ مُوقِنَةٌ، وَأَبْصَارٌ نَافِذَةٌ. فَعِنْدَ ذَلِكَ الْتَفَتَ فِرْعَوْنُ إِلَى مَنْ حَوْلَهُ مِنْ مَلَئه وَرُؤَسَاءِ دَوْلَتِهِ قَائِلًا لَهُمْ، عَلَى سَبِيلِ التَّهَكُّمِ وَالِاسْتِهْزَاءِ وَالتَّكْذِيبِ لِمُوسَى فِيمَا قَالَهُ: {أَلا تَسْتَمِعُونَ} أَيْ: أَلَا تَعْجَبُونَ مِمَّا يَقُولُ هَذَا فِي زَعْمِهِ: أَنَّ لَكُمْ إِلَهًا غَيْرِي؟ فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: {رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأوَّلِينَ} أَيْ: خَالِقُكُمْ وَخَالِقُ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ [6] ، الَّذِي كَانُوا قَبْلَ فِرْعَوْنَ وَزَمَانِهِ.
{قَالَ} أَيْ: فِرْعَوْنُ لِقَوْمِهِ: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} أي: ليس

[1] في ف، أ: "على".
[2] في أ: "واستخف".
[3] في ف، أ: "ومن" وهو خطأ.
[4] في أ: "ماهيته".
[5] في ف: "والجميع".
[6] في أ: "الأوائل".
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 6  صفحه : 138
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست