responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 4  صفحه : 376
{وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (19) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20) }
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَمَّا جَرَى لِيُوسُفَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، حِينَ أَلْقَاهُ إِخْوَتُهُ، وَتَرَكُوهُ فِي ذَلِكَ الْجُبِّ فَرِيدًا وَحِيدًا، فَمَكَثَ فِي الْبِئْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فِيمَا قَالَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ (1)
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: لَمَّا أَلْقَاهُ إِخْوَتُهُ جَلَسُوا حَوْلَ الْبِئْرِ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ، يَنْظُرُونَ مَا يَصْنَعُ وَمَا يُصنع بِهِ، فَسَاقَ اللَّهُ لَهُ سَيَّارة، فَنَزَلُوا قَرِيبًا مِنْ تِلْكَ [2] الْبِئْرِ، وَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ -وَهُوَ الَّذِي يَتَطَلَّبُ لَهُمُ الْمَاءَ -فَلَمَّا جَاءَ تِلْكَ [3] الْبِئْرَ، وَأَدْلَى دَلْوَهُ فِيهَا، تَشَبَّثَ يُوسُفُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِيهَا، فَأَخْرَجَهُ وَاسْتَبْشَرَ بِهِ، وَقَالَ: {يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ}
وَقَرَأَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ: "يَا بُشْرَى"، زَعَمَ السُّدِّيُّ أَنَّهُ اسْمُ رَجُلٍ نَادَاهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي أَدْلَى دَلْوَهُ، مُعْلِمًا لَهُ أَنَّهُ أَصَابَ غُلَامًا. وَهَذَا الْقَوْلُ مِنَ السُّدِّيِّ غَرِيبٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسبَق إِلَى تَفْسِيرِ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ بِهَذَا إِلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِنَّمَا مَعْنَى الْقِرَاءَةِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ يَرْجِعُ إِلَى الْقِرَاءَةِ الْأُخْرَى، وَيَكُونُ قَدْ أَضَافَ الْبُشْرَى إِلَى نَفْسِهِ، وَحَذَفَ يَاءَ الْإِضَافَةِ وَهُوَ يُرِيدُهَا، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: "يَا نفسُ اصْبِرِي"، وَ"يَا غُلَامُ أَقْبِلْ"، بِحَذْفِ حَرْفِ الْإِضَافَةِ، وَيَجُوزُ الْكَسْرُ حِينَئِذٍ وَالرَّفْعُ، وَهَذَا مِنْهُ، وتفسرها القراءة الأخرى {يَا بُشْرَى"} وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: {وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} أَيْ: وَأَسَرَّهُ الْوَارِدُونَ مِنْ بَقِيَّةِ السَّيَّارَةِ وَقَالُوا: اشْتَرَيْنَاهُ وَتَبَضَّعْنَاهُ مِنْ أَصْحَابِ الْمَاءِ مَخَافَةَ أَنْ يُشَارِكُوهُمْ فِيهِ إِذَا عَلِمُوا خَبَرَهُ. قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَالسُّدِّيُّ، وَابْنُ جَرِيرٍ. هَذَا قَوْلٌ.
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} يَعْنِي: إِخْوَةَ يُوسُفَ، أَسَرُّوا شَأْنَهُ، وَكَتَمُوا أَنْ يَكُونَ أَخَاهُمْ وَكَتَمَ يُوسُفُ شَأْنَهُ مَخَافَةَ أَنْ يَقْتُلَهُ إِخْوَتُهُ، وَاخْتَارَ الْبَيْعَ. فَذَكَرَهُ إِخْوَتُهُ لِوَارِدِ الْقَوْمِ، فَنَادَى أَصْحَابَهُ: {يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ} يُبَاعُ، فَبَاعَهُ إِخْوَتُهُ.
وَقَوْلُهُ: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} أَيْ: يَعْلَمُ مَا يَفْعَلُهُ إِخْوَةُ يُوسُفَ وَمُشْتَرُوهُ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى تَغْيِيرِ ذَلِكَ وَدَفْعِهِ، وَلَكِنْ لَهُ حِكْمَةٌ وقَدرَ سَابِقٌ، فَتَرَكَ ذَلِكَ لِيُمْضَى مَا قَدَّرَهُ وَقَضَاهُ، أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ، تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.
وَفِي هَذَا تَعْرِيضٌ لِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [4] ، وَإِعْلَامُهُ لَهُ بِأَنَّنِي عَالِمٌ بِأَذَى قَوْمِكَ، وَأَنَا قَادِرٌ عَلَى الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنِّي سَأُمْلِي لَهُمْ، ثُمَّ أَجْعَلُ لَكَ الْعَاقِبَةَ وَالْحُكْمَ عَلَيْهِمْ، كَمَا جَعَلْتُ لِيُوسُفَ الْحُكْمَ والعاقبة على إخوته.

(1) في ت، "ابن عباس".
[2] في ت: "ذلك".
[3] في ت: "ذلك".
[4] في ت: "صلوات الله عليه" وفي أ: "صلوات الله عليه وسلامه".
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 4  صفحه : 376
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست