responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 4  صفحه : 375
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الَّذِي اعْتَمَدَهُ إِخْوَةُ يوسف بعدما أَلْقَوْهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ: أَنَّهُمْ [1] رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ يَبْكُونَ، وَيُظْهِرُونَ الْأَسَفَ وَالْجَزَعَ عَلَى يُوسُفَ وَيَتَغَمَّمُونَ لِأَبِيهِمْ، وَقَالُوا مُعْتَذِرِينَ عَمَّا وَقَعَ فِيمَا زَعَمُوا: {إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ} أَيْ: نَتَرَامَى، {وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا} أَيْ: ثِيَابِنَا وَأَمْتِعَتِنَا، {فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ} وَهُوَ الَّذِي كَانَ [قَدْ] [2] جَزِعَ مِنْهُ، وَحَذِرَ عَلَيْهِ.
وَقَوْلُهُمْ: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} تلّطفٌ عَظِيمٌ فِي تَقْرِيرِ مَا يُحَاوِلُونَهُ، يَقُولُونَ: وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّكَ لَا تُصَدِّقُنَا -وَالْحَالَةُ هَذِهِ -لَوْ كُنَّا عِنْدَكَ صَادِقِينَ، فَكَيْفَ وَأَنْتَ تَتَّهِمُنَا فِي ذَلِكَ، لِأَنَّكَ خَشِيتَ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ، فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ، فَأَنْتَ مَعْذُورٌ فِي تَكْذِيبِكَ لَنَا؛ لِغَرَابَةِ مَا وَقَعَ، وَعَجِيبِ مَا اتَّفَقَ لَنَا فِي أَمْرِنَا هَذَا.
{وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} أَيْ: مَكْذُوبٍ مُفْتَرَى. وَهَذَا مِنَ الْأَفْعَالِ الَّتِي يُؤَكِّدُونَ بِهَا مَا تَمَالَئُوا عَلَيْهِ مِنَ الْمَكِيدَةِ، وَهُوَ أَنَّهُمْ عَمَدُوا إِلَى سَخْلة -فِيمَا ذَكَرَهُ مُجَاهِدٌ، وَالسُّدِّيُّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ -فَذَبَحُوهَا، وَلَطَّخُوا ثَوْبَ يُوسُفَ بِدَمِهَا، مُوهِمِينَ أَنَّ هَذَا قَمِيصُهُ الَّذِي أَكَلَهُ فِيهِ الذِّئْبُ، وَقَدْ أَصَابَهُ مِنْ دَمِهِ، وَلَكِنَّهُمْ نَسُوا أَنَّ يَخْرِقُوهُ، فَلِهَذَا لَمْ يَرُج هَذَا الصَّنِيعُ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ يَعْقُوبَ، بَلْ قَالَ لَهُمْ مُعْرِضًا عَنْ كَلَامِهِمْ إِلَى مَا وَقَعَ فِي نَفْسِهِ مِنْ تَمَالُئِهمْ عَلَيْهِ: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} أَيْ: فَسَأَصْبِرُ صَبْرًا جَمِيلًا عَلَى هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي قَدِ اتَّفَقْتُمْ عَلَيْهِ، حَتَّى يُفَرِّجَهُ اللَّهُ بِعَوْنِهِ وَلُطْفِهِ، {وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} أَيْ: عَلَى مَا تَذْكُرُونَ مِنَ الْكَذِبِ وَالْمُحَالِ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ سِمَاك، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} قَالَ: لَوْ أَكَلَهُ السَّبْعُ لَخَرَقَ الْقَمِيصَ. وَكَذَا قَالَ الشَّعْبِيُّ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الصَّبْرُ الْجَمِيلُ: الَّذِي لَا جَزَعَ فِيهِ.
وَرَوَى هُشَيْم، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ حبَّان بْنِ أَبِي جَبَلة قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِهِ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} فَقَالَ: "صَبْرٌ لَا شَكْوَى [3] فِيهِ" وَهَذَا مُرْسَلٌ [4] .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: قَالَ الثَّوْرِيُّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ قَالَ: ثَلَاثٌ مِنَ الصَّبْرِ: أَلَّا تُحَدِّثَ بِوَجَعِكَ، وَلَا بِمُصِيبَتِكَ، وَلَا تُزَكِّيَ نَفْسَكَ [5] .
وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ هَاهُنَا حَدِيثَ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فِي الْإِفْكِ حَتَّى ذَكَرَ قَوْلَهَا: وَاللَّهِ لَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلَّا أَبَا يُوسُفَ [6] ، {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [7] .

[1] في ت، أ: "ثم".
[2] زيادة من أ.
[3] في ت: "لا قوى".
[4] تفسير الطبري (15/585) .
[5] تفسير عبد الرزاق (1/277) .
[6] في ت: "إلا يعقوب" وفي أ: "إلا أبا يوسف إذ قال".
[7] صحيح البخاري برقم (4690) .
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 4  صفحه : 375
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست