responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 4  صفحه : 315
إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى خُسْرِهِمْ [1] وَدَمَارِهِمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأخْسَرُونَ} يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ حَالِهِمْ أَنَّهُمْ أَخْسَرُ النَّاسِ صَفْقَةً فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّهُمُ اسْتَبْدَلُوا بِالدَّرَكَاتِ عَنِ الدَّرَجَاتِ، وَاعْتَاضُوا عَنْ نَعِيمِ الْجِنَانِ بِحَمِيمٍ آنٍ، وَعَنْ شُرْبِ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ، بَسمُوم وَحَمِيمٍ، وظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ، وَعَنِ الْحُورِ الْعَيْنِ بِطَعَامٍ مِنْ غِسْلين، وَعَنِ الْقُصُورِ الْعَالِيَةِ بِالْهَاوِيَةِ، وَعَنْ قُرْبِ الرَّحْمَنِ، وَرُؤْيَتِهِ بِغَضَبِ الدَّيَّانِ وَعُقُوبَتِهِ، فَلَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ.
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأعْمَى وَالأصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا أَفَلا تَذَكَّرُونَ (24) }
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى حَالَ الْأَشْقِيَاءِ ثَنَّى بِذِكْرِ السُّعَداء، وَهُمُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، فَآمَنَتْ قُلُوبُهُمْ وعَملت جَوَارِحُهُمُ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ قَوْلًا وَفِعْلًا مِنَ الْإِتْيَانِ بِالطَّاعَاتِ وَتَرْكِ الْمُنْكَرَاتِ، وَبِهَذَا وَرِثُوا الْجَنَّاتِ، الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى الْغُرَفِ الْعَالِيَاتِ، وَالسُّرُرِ الْمَصْفُوفَاتِ، وَالْقُطُوفِ الدَّانِيَاتِ، وَالْفُرُشِ الْمُرْتَفِعَاتِ، وَالْحِسَانِ الْخَيِّرَاتِ، وَالْفَوَاكِهِ الْمُتَنَوِّعَاتِ، وَالْمَآكِلِ الْمُشْتَهَيَاتِ [2] وَالْمَشَارِبِ الْمُسْتَلَذَّاتِ، وَالنَّظَرِ إِلَى خَالِقِ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ خَالِدُونَ، لَا يَمُوتُونَ وَلَا يَهْرَمُونَ وَلَا يَمْرَضُونَ، وَيَنَامُونَ [3] وَلَا يتغطَّون، وَلَا يَبْصُقُونَ وَلَا يَتَمَخَّطُونَ، إِنْ هُوَ إِلَّا رَشْحُ مِسك يَعْرَقُونَ.
ثُمَّ ضَرَبَ [اللَّهُ] [4] تَعَالَى مَثَلَ الْكَافِرِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ} أَيِ: الَّذِينَ وَصَفَهُمْ أَوَّلًا بِالشَّقَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ السُّعَداء، فَأُولَئِكَ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ، وَهَؤُلَاءِ كَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ. فَالْكَافِرُ أَعْمَى عَنْ وَجْهِ الْحَقِّ فِي الدُّنْيَا، وَفِي الْآخِرَةِ لَا يَهْتَدِي إِلَى خَيْرٍ وَلَا يَعْرِفُهُ، أَصَمُّ عَنْ سَمَاعِ الحجَج، فَلَا [5] يَسْمَعُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ، {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الْأَنْفَالِ: 23] ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ ففَطِن ذَكِيٌّ لَبِيبٌ، بَصِيرٌ بِالْحَقِّ، يُمَيِّزُ [6] بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَاطِلِ، فيتبعُ الْخَيْرَ وَيَتْرُكُ الشَّرَّ، سَمِيعٌ لِلْحُجَّةِ، يُفَرِّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشُّبْهَةِ، فَلَا يَرُوج [7] عَلَيْهِ بَاطِلٌ، فَهَلْ يَسْتَوِي هَذَا وَهَذَا.
{أَفَلا تَذَكَّرُونَ} أَفَلَا تَعْتَبِرُونَ وَتُفَرِّقُونَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الْحَشْرِ: 20] وَقَالَ {وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ وَمَا يَسْتَوِي الأحْيَاءُ وَلا الأمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ إِنْ أَنْتَ إِلا نَذِيرٌ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر:19 -24] .

[1] في ت، أ: "خسارهم".
[2] في ت: "المشهوات".
[3] في ت، أ: "لا ينامون".
[4] زيادة من ت، أ.
[5] في ت، أ: "ولا".
[6] في ت: "مميز".
[7] في ت: "فلا يزوح".
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 4  صفحه : 315
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست