وإن القوم لعلى ما هم عليه من فساد طوية واعتلال نية.. فخرجوا عن أمر نبيهم، وشربوا من النهر وعبّوا، إلا قليلا منهم ممن عافاه الله من هذه المحنة، فتجنّب النهر ولم يشرب منه! وقد اعتزل طالوت أولئك الذين شربوا، وخلص بالذين لم يشربوا أو اغترفوا غرفة بأيديهم.. وحين رأى القوم عدوّهم يقودهم قائدهم الجبار «جالوت» فزعوا واضطربوا وقالوا: «لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ» ولكن قلة قليلة منهم ممن آمن بالله، ووثق بما أعده فى الآخرة لعباده المؤمنين، فآثروا الآخرة على الدنيا، وزهدوا بما فى أيديهم طمعا بما فى يد الله- هؤلاء لم يلتفوا إلى ماوراءهم من أهل وولد ومال، ولم يخفهم الموت الراصد لهم فى يد أعدائهم، فلم يهابوا العدوّ وكثرته وقوته، وأطمعهم هذا الشعور فى عدوّهم، ورأوا أنهم فى قلتهم المؤمنة الصابرة أقوى من عدوّهم الذي لا يؤمن بالله ولا يصبر على المكروه، إلا طمعا فى مغانم الدنيا ومتاعها.. وإذ قال غيرهم: «لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ» قالوا هم: «كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ» .