responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 9  صفحه : 213
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما أَنَّ كُلَّ أَبَوَيْنِ يَدْعُوَانِ بِذَلِكَ، فَإِنْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ قُلْنَا لَا يَخْلُو أَبْوَاب مُشْرِكَانِ مِنْ أَنْ يَتَمَنَّيَا أَنْ يَكُونَ لَهُمَا مِنَ الْحَمْلِ مَوْلُودٌ صَالِحٌ، سَوَاءٌ نَطَقَا بِذَلِكَ أَمْ أَضْمَرَاهُ فِي نُفُوسِهِمَا، فَإِنَّ مُدَّةَ الْحَمْلِ طَوِيلَةٌ، لَا تَخْلُو أَنْ يَحْدُثَ هَذَا التَّمَنِّي فِي خِلَالِهَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ التَّمَنِّي مِنْهُمْ عَلَى اللَّهِ، فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ يَعْتَرِفُونَ لِلَّهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَبِأَنَّهُ هُوَ خَالِقُ الْمَخْلُوقَاتِ وَمُكَوِّنُهَا، وَلَا حَظَّ لِلْآلِهَةِ إِلَّا فِي التَّصَرُّفَاتِ فِي أَحْوَالِ الْمَخْلُوقَاتِ، كَمَا دلّت علبه مُحَاجَّاتُ الْقُرْآنِ لَهُمْ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ [يُونُس: 34] وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ فِي الْأَنْعَامِ [1] .
وَإِنْ حُمِلَ دَعَوَا عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ فَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِبَعْضِ الْأَزْوَاجِ الَّذِينَ يَخْطُرُ بِبَالِهِمُ الدُّعَاءُ.
وَإِجْرَاءُ صِفَةِ رَبَّهُما الْمُؤْذِنَةِ بِالرِّفْقِ وَالْإِيجَادِ: لِلْإِشَارَةِ إِلَى اسْتِحْضَارِ الْأَبَوَيْنِ هَذَا الْوَصْفَ عِنْدَ دُعَائِهِمَا اللَّهَ، أَيْ يَذْكُرُ أَنَّهُ بِاللَّفْظِ أَوْ مَا يُفِيدُ مَفَادَهُ، وَلَعَلَّ الْعَرَبَ كَانُوا إِذَا دَعَوْا بِصَلَاحِ الْحَمْلِ قَالُوا: رَبَّنَا آتِنَا صَالِحًا.
وَجُمْلَةُ: لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً مُبَيِّنَةٌ لِجُمْلَةِ دَعَوَا اللَّهَ.
وصالِحاً وَصْفٌ جَرَى عَلَى مَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ، وَظَاهِرُ التَّذْكِيرِ أَنَّ الْمَحْذُوفَ تَقْدِيرُهُ: (ذَكَرًا) وَكَانَ الْعَرَبُ يَرْغَبُونَ فِي وِلَادَةِ الذُّكُورِ وَقَالَ تَعَالَى: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ [النَّحْل: 57] أَيِ الذُّكُورُ.
فَالدُّعَاءُ بِأَنْ يُؤْتَيَا ذَكَرًا، وَأَنْ يَكُونَ صَالِحًا، أَيْ نَافِعًا: لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ الصَّلَاحَ الْحَقَّ، وَيُنْذِرَانِ: لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ.
وَمَعْنَى فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما وَضَمِيرُ جَعَلا لِلنَّفْسِ الْوَاحِدَةِ وَزَوْجِهَا، أَيْ جَعَلَ الْأَبَوَانِ الْمُشْرِكَانِ.
وَ «الشِّرْكُ» مُصْدَرُ شَرَكَهُ فِي كَذَا، أَيْ جَعَلَا لِلَّهِ شَرِكَةً، وَالشَّرِكَةُ تَقْتَضِي شَرِيكًا أَيْ جَعَلَا لِلَّهِ شَرِيكًا فِيمَا آتَاهُمَا اللَّهُ، وَالْخَبَرُ مُرَادٌ مِنْهُ مَعَ الْإِخْبَارِ التَّعْجِيبُ مِنْ سَفَهِ آرَائِهِمْ، إِذْ لَا يَجْعَلُ رَشِيدُ الرَّأْيِ شَرِيكًا لِأَحَدٍ فِي مِلْكِهِ وَصُنْعِهِ بِدُونِ حَقٍّ، فَلِذَلِكَ عُرِفَ الْمَشْرُوكُ فِيهِ بِالْمَوْصُولِيَّةِ فَقِيلَ فِيما آتاهُما دُونَ الْإِضْمَارِ بِأَنْ يُقَالَ:

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 9  صفحه : 213
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست