responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 9  صفحه : 212
وَذُكِّرَ الضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ فِي فعلي يسكن و (تغشى) : بِاعْتِبَار كَون مَا صدق الْمَعَادِ، وَهُوَ النَّفْسُ الْوَاحِدَةُ، ذَكَرًا، وَأُنِّثَ الضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ فِي تَغَشَّاها، وَالْمَرْفُوعُ فِي حَمَلَتْ. وَ (مَرَّتْ) : بِاعْتِبَار كَون مَا صدق الْمَعَادَ وَهُوَ زَوْجُهَا أُنْثَى، وَهُوَ عَكْسٌ بَدِيعٌ فِي نَقْلِ تَرْتِيبِ الضَّمَائِرِ.
وَوَصْفُ الْحِمْلِ بِ خَفِيفاً إِدْمَاجٌ ثَانٍ، وَهُوَ حِكَايَةٌ لِلْوَاقِعِ، فَإِنَّ الْحَمْلَ فِي مَبْدَئِهِ لَا تَجِدُ مِنْهُ الْحَامِلُ أَلَمًا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا حَمْلًا خَاصًّا، وَلَكِنَّهُ الْخَبَرُ عَنْ كُلِّ حَمْلٍ فِي أَوَّلِهِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالزَّوْجَيْنِ جِنْسُهُمَا، فَهَذِهِ حِكَايَةُ حَالَةٍ تَحْصُلُ مِنْهَا عِبْرَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ عِبْرَةُ تَطَوُّرِ الْحمل كَيفَ يبتدىء خَفِيفًا كَالْعَدَمِ، ثُمَّ يَتَزَايَدُ رُوَيْدًا رُوَيْدًا حَتَّى يَثْقُلَ، وَفِي «الْمُوَطَّأِ» «قَالَ:
مَالِكٌ وَكَذَلِكَ (أَيْ كَالْمَرِيضِ غَيْرِ الْمُخَوَّفِ وَالْمَرِيضِ الْمُخَوَّفِ» ) : الْحَامِلُ فِي أَوَّلِ حَمْلِهَا بِشْرٌ وَسُرُورٌ وَلَيْسَ بِمَرَضٍ وَلَا خَوْفٍ، لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ [هود: 71] وَقَالَ: حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ.
وَحَقِيقَةُ الْمُرُورِ: الِاجْتِيَازُ، وَيُسْتَعَارُ لِلتَّغَافُلِ وَعَدَمِ الِاكْتِرَاثِ لِلشَّيْءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ [يُونُس: 72] أَيْ: نَسِيَ دُعَاءَنَا، وَأَعْرَضَ عَنَ شُكْرِنَا لِأَنَّ الْمَارَّ بِالشَّيْءِ لَا يَقِفُ عِنْدَهُ وَلَا يُسَائِلُهُ، وَقَوْلِهِ: وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً [الْفرْقَان: 72] .
وَقَالَ تَعَالَى: وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ [يُوسُف: 105] .
فَمَعْنَى فَمَرَّتْ بِهِ لَمْ تَتَفَطَّنْ لَهُ، وَلَمْ تُفَكِّرْ فِي شَأْنِهِ، وَكُلُّ هَذَا حِكَايَةٌ لِلْوَاقِعِ، وَهُوَ إِدْمَاجٌ.
وَالْإِثْقَالُ ثِقَلُ الْحِمْلِ وَكُلْفَتُهُ، يُقَالُ أَثْقَلَتِ الْحَامِلُ فَهِيَ مُثْقَلٌ وَأَثْقَلَ الْمَرِيضُ فَهُوَ مُثْقَلٌ، وَالْهَمْزَةُ لِلصَّيْرُورَةِ مِثْلُ أَوْرَقَ الشَّجَرُ، فَهُوَ كَمَا يُقَالُ أَقْرَبَتِ الْحَامِلُ فَهِيَ مقرب إِذا أقرب إِبَّانُ وَضْعِهَا.
وَقَدْ سَلَكَ فِي وَصْفِ تَكْوِينِ النَّسْلِ مَسْلَكَ الْإِطْنَابِ: لِمَا فِيهِ مِنَ التَّذْكِيرِ بِتِلْكَ
الْأَطْوَارِ، الدَّالَّةِ عَلَى دَقِيقِ حِكْمَةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ، وَبِلُطْفِهِ بِالْإِنْسَانِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 9  صفحه : 212
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست