responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 9  صفحه : 206
لِيُعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ الْجَوَابَ لَا يُرْجَى غَيْرُهُ وَأَنَّ الْحَصْرَ الْمُشْتَمِلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي حَصْرٌ حَقِيقِيٌّ ثُمَّ عُطِفَ عَلَى جُمْلَةِ الْجَوَابِ اسْتِدْرَاكٌ عَنِ الْحَصْرِ فِي قَوْلِهِ: قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ تَأْكِيدًا لِكَوْنِهِ حَصْرًا حَقِيقِيًّا، وَإِبْطَالًا لِظَنِّ الَّذِينَ يَحْسَبُونَ أَنَّ شَأْنَ الرُّسُلِ أَنْ يَكُونُوا عَالِمِينَ بِكُلِّ مَجْهُولٍ، وَمِنْ ذَلِكَ وَقْتُ السَّاعَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَوْقَاتِهِمْ يَسْتَطِيعُونَ إِعْلَامَ النَّاسِ فَيَسْتَدِلُّونَ بِعَدَمِ عِلْمِ السَّاعَةِ عَلَى عَدَمِ صِدْقٍ مُدَّعِي الرِّسَالَةِ، وَهَذَا الِاعْتِقَادُ ضَلَالَةٌ مُلَازِمَةٌ لِلْعُقُولِ الْأَفِنَةِ، فَإِنَّهَا تَتَوَهَّمُ الْحَقَائِقَ عَلَى غَيْرِ مَا هِيَ عَلَيْهِ، وَتُوقِنُ بِمَا يُخَيَّلُ إِلَيْهَا،
وَتَجْعَلُهُ أُصُولًا تَبْنِي عَلَيْهَا مَعَارِفَهَا وَمُعَامَلَاتِهَا، وَتَجْعَلُهَا حُكْمًا فِي الْأُمُورِ إِثْبَاتًا وَنَفْيًا، وَهَذَا فَرْطُ ضَلَالَةٍ، وَإِنَّهُ لَضِغْثٌ عَلَى إِبَّالَةٍ بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ وَتَخْفِيفِهَا، وَقَدْ حَكَى التَّارِيخُ الْقَدِيمُ شَاهِدًا مِمَّا قُلْنَاهُ وَهُوَ مَا جَاءَ فِي سِفْرِ دَانْيَالَ- مِنْ كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُلْحَقَةِ بِالتَّوْرَاةِ أَنَّ- (بُخْتُنَصَّرَ) مَلِكَ بَابِلَ رَأَى رُؤْيَا أَزْعَجَتْهُ وَتَطَلَّبَ تَعْبِيرَهَا، فَجَمَعَ الْعَرَّافِينَ وَالْمُنَجِّمِينَ وَالسَّحَرَةَ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُخْبِرُوهُ بِصُورَةِ مَا رَآهُ فِي حُلْمِهِ مِنْ دُونِ أَنْ يَحْكِيَهُ لَهُمْ، فَلَمَّا أَجَابُوهُ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ فِي طَاقَةِ أَحَدٍ مِنَ الْبَشَرِ وَلَا يَطَّلِعُ عَلَى مَا فِي ضَمِيرِ الْمَلِكِ إِلَّا الْآلِهَةُ، غَضِبَ، وَاغْتَاظَ، وَأَمَرَ بِقَتْلِهِمْ، وَأَنَّهُ أحضر دانيال النَّبِي وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ أَسْرَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي (بَابِلَ) وَهَدَّدَهُ بِالْقَتْلِ إِنْ لَمْ يُنْبِئْهُ بِصُورَةِ رُؤْيَاهُ، ثُمَّ بِتَعْبِيرِهَا، وَأَنَّ دَانْيَالَ اسْتَنْظَرَهُ مُدَّةً، وَأَنَّهُ الْتَجَأَ إِلَى اللَّهِ بِالدُّعَاءِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ (عِزْرِيَا) وَ (مِيشَايِيلُ) وَ (حَنَنْيَا) فَدَعَوُا اللَّهَ لِيُنْقِذَ دَانْيَالَ مِنَ الْقَتْلِ، وَأَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى دَانْيَالَ بِصُورَة مَا رءاه الْمَلِكُ فَأَخْبَرَ دَانْيَالُ الْمَلِكَ بِذَلِكَ، ثُمَّ عَبَّرَ لَهُ، فَنَالَ حُظْوَةً لَدَيْهِ انْظُرِ الْإِصْحَاحَ الثَّانِي مِنْ سفر دانيال.
[188]

[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 188]
قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلاَّ مَا شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)
هَذَا ارْتِقَاءٌ فِي التَّبَرُّؤِ مِنْ مَعْرِفَةِ الْغَيْبِ وَمِنَ التَّصَرُّفِ فِي الْعَالَمِ، وَزِيَادَةٌ مِنَ التَّعْلِيمِ لِلْأُمَّةِ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِيقَةِ الرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ، وَتَمْيِيزُ مَا هُوَ مِنْ خَصَائِصِهَا عَمَّا لَيْسَ مِنْهَا.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 9  صفحه : 206
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست