responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 7  صفحه : 63
يُنَاسِبُ لَوْ يَكُونُ نُزُولُ هَذِهِ الْآيَةِ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ حِينَ كَانَ الْمُشْرِكُونَ أَكْثَرَ عَدَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَكِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ كُلَّهَا نَزَلَتْ فِي عَامِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ إِشَارَةً إِلَى كَثْرَةِ نَصَارَى الْعَرَبِ فِي الشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَمَشَارِفِ الشَّامِ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ تَطَلَّعُوا يَوْمَئِذٍ إِلَى تِلْكَ الْأَصْقَاعِ، وَقِيلَ: أُرِيدَ مِنْهَا الْحَرَامُ وَالْحَلَالُ مِنَ الْمَالِ، وَنُقِلَ عَنِ الْحَسَنِ.
وَمَعْنَى لَا يَسْتَوِي نَفْيُ الْمُسَاوَاةِ، وَهِيَ الْمُمَاثَلَةُ وَالْمُقَارَبَةُ وَالْمُشَابَهَةُ. وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ إِثْبَاتُ الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَهُمَا بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ، وَالْمَقَامُ هُوَ الَّذِي يُعَيِّنُ الْفَاضِلَ مِنَ الْمَفْضُولِ، فَإِنَّ جَعْلَ أَحَدِهِمَا خَبِيثًا وَالْآخَرِ طَيِّبًا يُعَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ تَفْضِيلُ الطَّيِّبِ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَيْسُوا سَواءً فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [113] . وَلَمَّا كَانَ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْخَبِيثَ لَا يُسَاوِي الطَّيِّبَ وَأَنَّ الْبَوْنَ بَيْنَهُمَا بَعِيدٌ، عَلِمَ السَّامِعُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَقْصُودَ اسْتِنْزَالُ فَهْمِهِ إِلَى تَمْيِيزِ الْخَبِيثِ مِنَ الطَّيِّبِ فِي كُلِّ مَا يَلْتَبِسُ فِيهِ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، وَهَذَا فَتْحٌ لِبَصَائِرِ الْغَافِلِينَ كَيْلَا يَقَعُوا فِي مَهْوَاةِ الِالْتِبَاسِ لِيَعْلَمُوا أَنَّ ثَمَّةَ خَبِيثًا قَدِ الْتَفَّ فِي لِبَاسِ الْحَسَنِ فَتُمُوِّهَ عَلَى النَّاظِرِينَ، وَلِذَلِكَ قَالَ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ. فَكَانَ الْخَبِيثُ الْمَقْصُودُ فِي الْآيَةِ شَيْئًا تَلَبَّسَ بِالْكَثْرَةِ فَرَاقَ فِي أَعْيُنِ النَّاظِرِينَ لِكَثْرَتِهِ، فَفَتَحَ أَعْيُنَهُمْ لِلتَّأَمُّلِ فِيهِ لِيَعْلَمُوا خُبْثَهُ وَلَا تُعْجِبُهُمْ كَثْرَتُهُ.
فَقَوْلُهُ: وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ مِنْ جُمْلَةِ الْمَقُولِ الْمَأْمُورِ بِهِ النبيء- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْ قُلْ لَهُمْ هَذَا كُلَّهُ، فَالْكَافُ فِي قَوْلِهِ: أَعْجَبَكَ لِلْخِطَابِ، وَالْمُخَاطَبُ بِهَا غَيْرُ مُعَيَّنٍ بَلْ كُلُّ مَنْ يَصْلُحُ لِلْخِطَابِ، مِثْلَ وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ [الْأَنْعَام: 27] ، أَيْ وَلَوْ أَعْجَبَ مُعْجَبًا كَثْرَةُ الْخَبِيثِ. وَقَدْ عَلِمْتَ وَجْهَ الْإِعْجَابِ بِالْكَثْرَةِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ الْآيَةِ.
وَلَيْسَ قَوْلُهُ: وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ بِمُقْتَضٍ أَنَّ كُلَّ خَبِيثٍ يَكُونُ كَثِيرًا وَلَا أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنَ الطَّيِّبِ مِنْ جِنْسِهِ، فَإِنَّ طَيِّبَ التَّمْرِ وَالْبُرِّ وَالثِّمَارِ أَكْثَرُ مِنْ خَبِيثِهَا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنْ لَا تُعْجِبَكُمْ مِنَ الْخَبِيثِ كَثْرَتُهُ إِذَا كَانَ كَثِيرًا فَتَصْرِفُكُمْ عَنِ التَّأَمُّلِ مِنْ خُبْثِهِ وَتَحْدُوكُمْ إِلَى مُتَابَعَتِهِ لِكَثْرَتِهِ، أَيْ وَلَكِنِ انْظُرُوا إِلَى الْأَشْيَاءِ بِصِفَاتِهَا وَمَعَانِيهَا لَا بِأَشْكَالِهَا وَمَبَانِيهَا، أَوْ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِوَفْرَةِ أَهْلِ الْمِلَلِ الضَّالَّةِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 7  صفحه : 63
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست