responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 7  صفحه : 24
تُسَاوِي الرِّجْسَ فِي نَظَرِ الشَّرِيعَةِ، لِأَنَّ الْإِثْمَ يَقْتَضِي التَّبَاعُدَ عَنِ التَّلَبُّسِ بِهِمَا مِثْلُ الرِّجْسِ. وَأَثْبَتَ لَهُمَا الْمَنْفَعَةَ، وَهِيَ صِفَةٌ تُسَاوِي نَقِيضَ الرِّجْسِ، فِي نَظَرِ الشَّرِيعَةِ، لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَسْتَلْزِمُ حِرْصَ النَّاسِ عَلَى تَعَاطِيهِمَا، فَصَحَّ أَنَّ لِلْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ صِفَتَيْنِ. وَقَدْ قَصَرَ فِي آيَةِ الْمَائِدَةِ عَلَى مَا يُسَاوِي إِحْدَى تَيْنِكَ الصِّفَتَيْنِ أَعْنِي الرِّجْسَ، فَمَا هُوَ إِلَّا قَصْرٌ ادِّعَائِيٌّ يُشِيرُ إِلَى مَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [219] مِنْ قَوْلِهِ: وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما، فَإِنَّهُ لَمَّا نَبَّهَنَا إِلَى تَرْجِيحِ مَا فِيهِمَا مِنَ الْإِثْمِ عَلَى مَا فِيهِمَا مِنَ الْمَنْفَعَةِ فَقَدْ نَبَّهَنَا إِلَى دَحْضِ مَا فِيهِمَا مِنَ الْمَنْفَعَةِ قُبَالَةَ مَا فِيهِمَا مِنَ الْإِثْمِ حَتَّى كَأَنَّهُمَا تَمَحَّضَا لِلِاتِّصَافِ بِ فِيهِما إِثْمٌ [الْبَقَرَة: 219] ، فَصَحَّ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ أَنْ يُقَالَ فِي حَقِّهِمَا مَا يُفِيدُ انْحِصَارَهُمَا فِي أَنَّهُمَا فِيهِمَا إِثْمٌ، أَيِ انْحِصَارُهُمَا فِي صِفَةِ الْكَوْنِ فِي هَذِهِ الظَّرْفِيَّةِ كَالِانْحِصَارِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي [الشُّعَرَاء: 113] ، أَيْ حِسَابُهُمْ مَقْصُورٌ عَلَى الِاتِّصَافِ بِكَوْنِهِ عَلَى رَبِّي، أَيِ انْحَصَرَ حِسَابُهُمْ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَرْفِ. وَذَلِكَ هُوَ مَا عَبَّرَ عَنْهُ بِعِبَارَةِ الرِّجْسِ.
وَالرِّجْسُ الْخُبْثُ الْمُسْتَقْذَرُ وَالْمَكْرُوهُ مِنَ الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَذَمَّاتِ الْبَاطِنَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ [التَّوْبَة:
125] ، وَقَوْلِهِ: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ [الْأَحْزَاب: 33] . وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْخَبِيثُ فِي النُّفُوسِ وَاعْتِبَارِ الشَّرِيعَةِ. وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ فَالْإِخْبَارُ بِهِ كَالْإِخْبَارِ بِالْمَصْدَرِ، فَأَفَادَ الْمُبَالَغَةَ فِي الِاتِّصَافِ بِهِ حَتَّى كَأَنَّ هَذَا الْمَوْصُوفَ عَيْنُ الرجس. وَلذَلِك أَيْضا أُفْرِدَ (رِجْسٌ) مَعَ كَوْنِهِ خَبَرًا عَنْ مُتَعَدِّدٍ لِأَنَّهُ كَالْخَبَرِ بِالْمَصْدَرِ.
وَمَعْنَى كَوْنِهَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ أَنَّ تَعَاطِيَهَا بِمَا تُتَعَاطَى لِأَجْلِهِ مِنْ تَسْوِيلِهِ لِلنَّاسِ تَعَاطِيَهَا، فَكَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي عَمِلَهَا وَتَعَاطَاهَا، وَفِي ذَلِكَ تَنْفِيرٌ لِمُتَعَاطِيهَا بِأَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ، فَهُوَ شَيْطَانٌ، وَذَلِكَ مِمَّا تَأْبَاهُ النُّفُوسُ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 7  صفحه : 24
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست