responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 179
غَيْرُ مُسْلِمِينَ، وَهَذَا مِثْلُ الَّذِي يُقِيمُ الْيَوْمَ بِبِلَادِ أُورُوبَّا النَّصْرَانِيَّةِ، وَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْمُقَامَ فِي مثل ذَلِك مكسوره كَرَاهَةً شَدِيدَةً مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ التِّجَارَةِ إِلَى أَرْضِ الْحَرْبِ وَالْعُتْبِيَّةِ، كَذَلِكَ تَأَوَّلَ قَوْلَ مَالِكٍ فُقَهَاءُ الْقَيْرَوَانِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّسَالَةِ، وَصَرِيحُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ فِي طَالِعَةِ كِتَابِ التِّجَارَةِ إِلَى أَرْضِ
الْحَرْبِ مِنْ تَبْصِرَتِهِ، وَارْتَضَاهُ ابْنُ مُحْرِزٍ وَعَبْدُ الْحَقِّ، وَتَأَوَّلَهُ سَحْنُونٌ وَابْنُ حَبِيبٍ عَلَى الْحُرْمَةِ وَكَذَلِكَ عَبْدُ الْحَمِيدِ الصَّائِغُ وَالْمَازِرِيُّ، وَزَادَ سَحْنُونٌ فَقَالَ: إِنَّ مُقَامَهُ جَرْحَةٌ فِي عَدَالَتِهِ، وَوَافَقَهُ الْمَازِرِيُّ وَعَبْدُ الْحَمِيدِ، وَعَلَى هَذَا يَجْرِي الْكَلَامُ فِي السَّفَرِ فِي سُفُنِ النَّصَارَى إِلَى الْحَجِّ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْبَرْزَلِيُّ عَنِ ابْنِ عَرَفَةَ: إِنْ كَانَ أَمِيرُ تُونِسَ قَوِيًّا عَلَى النَّصَارَى جَازَ السَّفَرُ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّهُمْ يُهِينُونَ الْمُسْلِمِينَ.
الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَتَغَلَّبَ الْكُفَّارُ عَلَى بَلَدِ أَهْلِهِ مُسْلِمُونَ وَلَا يَفْتِنُوهُمْ فِي دِينِهِمْ وَلَا فِي عِبَادَتِهِمْ وَلَا فِي أَمْوَالِهِمْ، وَلَكِنَّهُمْ يَكُونُ لَهُمْ حُكْمُ الْقُوَّةِ عَلَيْهِمْ فَقَطْ، وَتَجْرِي الْأَحْكَامُ بَيْنَهُمْ عَلَى مُقْتَضَى شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ كَمَا وَقَعَ فِي صِقِلِّيَّةَ حِينَ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا رُجَيْرٍ النَّرَمَنْدِيُّ.
وَكَمَا وَقَعَ فِي بِلَادِ غَرْنَاطَةَ حِينَ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا طَاغِيَةُ الْجَلَالِقَةِ عَلَى شُرُوطٍ مِنْهَا احْتِرَامُ دِينِهِمْ، فَإِنَّ أَهْلَهَا أَقَامُوا بِهَا مُدَّةً وَأَقَامَ مِنْهُمْ عُلَمَاؤُهُمْ وَكَانُوا يَلُونَ الْقَضَاءَ وَالْفَتْوَى وَالْعَدَالَةَ وَالْأَمَانَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَهَاجَرَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ فَلَمْ يَعِبِ الْمُهَاجِرُ عَلَى الْقَاطِنِ، وَلَا الْقَاطِنُ عَلَى الْمُهَاجِرِ.
الْحَالَةُ الْخَامِسَةُ: أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِ الْمُسْلِمِينَ نُفُوذٌ وَسُلْطَانٌ عَلَى بَعْضِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، مَعَ بَقَاءِ مُلُوكِ الْإِسْلَامِ فِيهَا، وَاسْتِمْرَارِ تَصَرُّفِهِمْ فِي قَوْمِهِمْ، وَوِلَايَةِ حُكَّامِهِمْ مِنْهُمْ، وَاحْتِرَامِ أَدْيَانِهِمْ وَسَائِرِ شَعَائِرِهِمْ، وَلَكِنَّ تَصَرُّفَ الْأُمَرَاءِ تَحْتَ نَظَرِ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ وَبِمُوَافَقَتِهِمْ، وَهُوَ مَا يُسَمَّى بِالْحِمَايَةِ وَالِاحْتِلَالِ وَالْوِصَايَةِ وَالِانْتِدَابِ، كَمَا وَقَعَ فِي مِصْرَ مُدَّةَ احْتِلَالِ جَيْشِ الْفَرَنْسِيسِ بِهَا، ثُمَّ مُدَّةَ احْتِلَالِ الْأَنْقَلِيزِ، وَكَمَا وَقَعَ بِتُونِسَ وَالْمَغْرِبِ الْأَقْصَى من حماية فرانسا، وَكَمَا وَقَعَ فِي سُورْيَا وَالْعِرَاقِ أَيَّامَ الِانْتِدَابِ وَهَذِهِ لَا شُبْهَةَ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْهِجْرَةِ مِنْهَا.
الْحَالَةُ السَّادِسَةُ: الْبَلَدُ الَّذِي تَكْثُرُ فِيهِ الْمَنَاكِرُ وَالْبِدَعُ، وَتَجْرِي فِيهِ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ عَلَى خِلَافِ صَرِيحِ الْإِسْلَامِ بِحَيْثُ يَخْلِطُ عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا وَلَا يُجْبَرُ الْمُسْلِمُ فِيهَا عَلَى

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 179
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست