responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 178
وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ أَبِي عُبَيْدَةَ: «عَسَى مِنَ اللَّهِ إِيجَابٌ» وَقَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ: أَنَّ عَسَى
وَلَعَلَّ فِي الْقُرْآنِ لِلْيَقِينِ، وَمُرَادُهُمْ إِذَا أُسْنِدَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ نَحْوِ قَوْلِهِ: وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً [الْكَهْف: 24] .
وَمِثْلُ هَذَا مَا قَالُوهُ فِي وُقُوعِ حَرْفِ (إِنْ) الشَّرْطِيَّةِ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، مَعَ أَنَّ أَصْلَهَا أَنْ تَكُونَ لِلشَّرْطِ الْمَشْكُوكِ فِي حُصُولِهِ.
وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْآيَةِ انْقَضَى يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ لِأَنَّ الْهِجْرَةَ كَانَتْ وَاجِبَةً لِمُفَارَقَةِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَأَعْدَاءِ الدِّينِ، وَلِلتَّمَكُّنِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ دُونَ حَائِلٍ يَحُولُ عَنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا صَارَتْ مَكَّةُ دَارَ إِسْلَامٍ سَاوَتْ غَيْرَهَا، وَيُؤَيِّدُهُ
حَدِيثُ: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ»
فَكَانَ الْمُؤْمِنُونَ يَبْقَوْنَ فِي أَوْطَانِهِمْ إِلَّا الْمُهَاجِرِينَ يَحْرُمُ عَلَيْهِمُ الرُّجُوعُ إِلَى مَكَّةَ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ وَلَا تَرُدُّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ»
قَالَهُ بَعْدَ أَنْ فُتِحَتْ مَكَّةُ. غَيْرَ أَنَّ الْقِيَاسَ عَلَى حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ يَفْتَحُ لِلْمُجْتَهِدِينَ نَظَرًا فِي أَحْكَامِ وُجُوبِ الْخُرُوجِ مِنَ الْبَلَدِ الَّذِي يُفْتَنُ فِيهِ الْمُؤْمِنُ فِي دِينِهِ، وَهَذِهِ أَحْكَام يجمعها ستّة أَحْوَالٍ:
الْحَالَةُ الْأُولَى: أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُ بِبَلَدٍ يُفْتَنُ فِيهِ فِي إِيمَانِهِ فَيُرْغَمُ عَلَى الْكُفْرِ وَهُوَ يَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ، فَهَذَا حُكْمُهُ حُكْمُ الَّذِينَ نَزَلَتْ فِيهِمُ الْآيَةُ، وَقَدْ هَاجَرَ مُسْلِمُونَ مِنَ الْأَنْدَلُسِ حِينَ أَكْرَهَهُمُ النَّصَارَى عَلَى التَّنَصُّرِ، فَخَرَجُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي كُلِّ وَادٍ تَارِكِينَ أَمْوَالَهُمْ وَدِيَارَهُمْ نَاجِينَ بِأَنْفُسِهِمْ وَإِيمَانِهِمْ، وَهَلَكَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ فِي الطَّرِيقِ وَذَلِكَ فِي سَنَةِ 902 وَمَا بَعْدَهَا إِلَى أَنْ كَانَ الْجَلَاءُ الْأَخِيرُ سَنَةَ 1016.
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ بِبَلَدِ الْكُفْرِ غَيْرَ مَفْتُونٍ فِي إِيمَانِهِ وَلَكِنْ يَكُونُ عُرْضَةً لِلْإِصَابَةِ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ بِأَسْرٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ مُصَادَرَةِ مَالٍ، فَهَذَا قَدْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلضُّرِّ وَهُوَ حَرَامٌ بِلَا نِزَاعٍ، وَهَذَا مُسَمَّى الْإِقَامَةِ بِبَلَدِ الْحَرْبِ الْمُفَسَّرَةِ بِأَرْضِ الْعَدُوِّ.
الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ بِبَلَدٍ غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَفْتِنُوا النَّاسَ فِي إِيمَانِهِمْ وَلَا فِي عِبَادَاتِهِمْ وَلَا فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ، وَلَكِنَّهُ بِإِقَامَتِهِ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ إِذَا عَرَضَ لَهُ حَادِثٌ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ الَّذِينَ هُمْ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 178
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست