responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 174
أَنْ يَكُونَ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي يَقْبِضُ أَرْوَاحَ النَّاسِ وَاحِدًا، بِقُوَّةٍ مِنْهُ تَصِلُ إِلَى كُلِّ هَالِكٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ هَالِكٍ مَلَكٌ يَقْبِضُ رُوحَهُ، وَهَذَا أَوْضَحُ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ إِلَى قَوْلِهِ: قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ.
وتَوَفَّاهُمُ فِعْلُ مُضِيٍّ يُقَالُ: تَوَفَّاهُ اللَّهُ، وَتَوَفَّاهُ مَلَكُ الْمَوْتِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُقْرَنْ بِعَلَامَةِ تَأْنِيثِ فَاعِلِ الْفِعْلِ، لِأَنَّ تَأْنِيثَ صِيَغِ جُمُوعِ التَّكْسِيرِ تَأْنِيثٌ لَفْظِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ فَيَجُوزُ لَحَاقَ تَاءِ التَّأْنِيثِ لِفِعْلِهَا، تَقُولُ: غزت الْعَرَب، وغزى الْعَرَبُ.
وَظُلْمُ النَّفْسِ أَنْ يَفْعَلَ أَحَدٌ فِعْلًا يَؤُولُ إِلَى مَضَرَّتِهِ، فَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ، لِأَنَّهُ فَعَلَ بِنَفْسِهِ مَا لَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْعُقَلَاءِ أَنْ يَفْعَلُوهُ لِوَخَامَةِ عُقْبَاهُ. وَالظُّلْمُ هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَحِقُّ فِعْلُهُ وَلَا تَرْضَى بِهِ النُّفُوسُ السَّلِيمَةُ وَالشَّرَائِعُ، وَاشْتُهِرَ إِطْلَاقُ ظُلْمِ النَّفْسِ فِي الْقُرْآنِ عَلَى الْكُفْرِ وَعَلَى الْمَعْصِيَةِ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُرَادُ بِهِ الْكُفْرُ، وَأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوا حِينَ كَانَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ، فَلَمَّا هَاجَرَ أَقَامُوا مَعَ قَوْمِهِمْ بِمَكَّةَ فَفَتَنُوهُمْ فَارْتَدُّوا، وَخَرَجُوا يَوْمَ بَدْرٍ مَعَ الْمُشْرِكِينَ فَكَثَّرُوا سَوَادَ الْمُشْرِكِينَ، فَقُتِلُوا بِبَدْرٍ كَافِرِينَ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: كَانَ أَصْحَابُنَا هَؤُلَاءِ مُسْلِمِينَ وَلَكِنَّهُمْ أُكْرِهُوا عَلَى الْكُفْرِ وَالْخُرُوجِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيهِمْ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
قَالُوا: وَكَانَ مِنْهُمْ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْفَاكِهِ، وَالْحَارِثُ بْنُ زَمْعَةَ، وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَعَلِيُّ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَالْعَاصُ بْنُ مُنَبِّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ فَهَؤُلَاءِ قُتِلُوا. وَكَانَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَعَقِيلٌ وَنَوْفَلٌ ابْنَا أَبِي طَالِبِ فِيمَنْ خَرَجَ مَعَهُمْ، وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ أُسِرُوا وَفَدَوْا أَنْفُسَهُمْ وَأَسْلَمُوا بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَذَا أَصَحُّ الْأَقْوَالِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ.
وَقِيلَ: أُرِيدَ بِالظُّلْمِ عَدَمُ الْهِجْرَةِ إِذْ كَانَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَسْلَمُوا وَتَقَاعَسُوا عَنِ الْهِجْرَةِ. قَالَ السُّدِّيُّ: كَانَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَمْ يُهَاجِرْ يُعْتَبَرُ كَافِرًا حَتَّى يُهَاجِرَ، يَعْنِي وَلَوْ أَظْهَرَ إِسْلَامَهُ وَتَرَكَ حَالَ الشِّرْكِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ كَانَتِ الْهِجْرَةُ وَاجِبَةً وَلَا يَكْفُرُ تَارِكُهَا. فَعَلَى قَوْلِ السُّدِّيِّ فَالظُّلْمُ مُرَادٌ بِهِ أَيْضًا الْكُفْرُ لِأَنَّهُ مُعْتَبَرٌ مِنَ الْكُفْرِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ، أَيْ أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَكْتَفِ بِالْإِيمَانِ إِذَا لَمْ يُهَاجِرْ صَاحِبُهُ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا بِعِيدٌ فَقَدْ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 174
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست