responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 86
الثَّانِي أَنَّ فِي تَعَاطِي الرِّبَا مَا يَمْنَعُ النَّاسَ مِنِ اقْتِحَامِ مَشَاقِّ الِاشْتِغَالِ فِي الِاكْتِسَابِ لِأَنَّهُ إِذَا تَعَوَّدَ صَاحِبُ الْمَالِ أَخْذَ الرِّبَا خَفَّ عَنْهُ اكْتِسَابُ الْمَعِيشَةِ، فَإِذَا فَشَا فِي النَّاسِ أَفْضَى إِلَى انْقِطَاعِ مَنَافِعِ الْخَلْقِ لِأَنَّ مَصْلَحَةَ الْعَالَمِ لَا تَنْتَظِمُ إِلَّا بِالتِّجَارَةِ وَالصِّنَاعَةِ وَالْعِمَارَةِ.
الثَّالِثُ أَنَّهُ يُفْضِي إِلَى انْقِطَاعِ الْمَعْرُوفِ بَيْنَ النَّاسِ بِالْقَرْضِ.
الرَّابِعُ أَنَّ الْغَالِبَ فِي الْمُقْرِضِ أَنْ يَكُونَ غَنِيًّا، وَفِي الْمُسْتَقْرِضِ أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا، فَلَوْ أُبِيحَ الرِّبَا لَتَمَكَّنَ الْغَنِيُّ مِنْ أَخْذِ مَالِ الضَّعِيفِ.
وَقَدْ أَشَرْنَا فِيمَا مَرَّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الرِّبَا وَالْبَيْعِ إِلَى عِلَّةِ تَحْرِيمِهِ وَسَنَبْسُطُ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [130] .
هَذَا وَقَدْ تَعَرَّضَتِ الْآيَةُ إِلَى حُكْمٍ هُوَ تَحْلِيلُ الْبَيْعِ وَتَحْرِيمُ الرِّبَا لِأَنَّهَا مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لِإِعْلَانِ هَذَا التَّشْرِيعِ بَعْدَ تَقْدِيمِ الْمَوْعِظَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ.
وَ (الْ) فِي كُلٍّ مِنَ الْبَيْعِ وَالرِّبَا لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ، فَثَبَتَ بِهَا حُكْمُ أَصْلَيْنِ عَظِيمَيْنِ فِي مُعَامَلَاتِ النَّاسِ مُحْتَاجٍ إِلَيْهِمَا فِيهَا: أَحَدُهُمَا يُسَمَّى بَيْعًا وَالْآخَرُ يُسَمَّى رِبًا. أَوَّلُهُمَا مُبَاحٌ مُعْتَبَرٌ كَوْنُهُ حَاجِيًّا لِلْأُمَّةِ، وَثَانِيهِمَا مُحَرَّمٌ أُلْغِيَتْ حَاجِيَّتُهُ لِمَا عَارَضَهَا مِنَ الْمَفْسَدَةِ. وَظَاهِرُ تَعْرِيفِ الْجِنْسِ أَنَّ اللَّهَ أَحَلَّ الْبَيْعَ بِجِنْسِهِ فَيَشْمَلُ التَّحْلِيلُ سَائِرَ أَفْرَادِهِ، وَأَنَّهُ حَرَّمَ الرِّبَا بِجِنْسِهِ
كَذَلِكَ. وَلَمَّا كَانَ مَعْنَى أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ [الْبَقَرَة: 275] أَذِنَ فِيهِ كَانَ فِي قُوَّةِ قَضِيَّةٍ مُوجَبَةٍ، فَلَمْ يَقْتَضِ اسْتِغْرَاقَ الْجِنْسِ بِالصِّيغَةِ، وَلَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى قَصْدِ الِاسْتِغْرَاقِ قِيَامَهَا فِي نَحْوِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَبَقِيَ مُحْتَمِلًا شُمُولَ الْحِلِّ لِسَائِرِ أَفْرَادِ الْبَيْعِ. وَلَمَّا كَانَ الْبَيْعُ قَدْ تَعْتَرِيهِ أَسْبَابٌ تُوجِبُ فَسَادَهُ وَحُرْمَتَهُ تَتَبَّعَتِ الشَّرِيعَةُ أَسْبَابَ تَحْرِيمِهِ، فَتَعَطَّلَ احْتِمَالُ الِاسْتِغْرَاقِ فِي شَأْنِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ.
أَمَّا مَعْنَى قَوْلِهِ: وَحَرَّمَ الرِّبا فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَنْفِيِّ لِأَنَّ حَرَّمَ فِي مَعْنَى مَنَعَ، فَكَانَ مُقْتَضِيًا اسْتِغْرَاقَ جِنْسِ الرِّبَا بِالصِّيغَةِ إِذْ لَا يَطْرَأُ عَلَيْهِ مَا يُصَيِّرُهُ حَلَالًا.
ثُمَّ اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ فِي أَنَّ لَفْظَ الرِّبَا فِي الْآيَةِ بَاقٍ عَلَى مَعْنَاهُ الْمَعْرُوفِ فِي اللُّغَةِ، أَوْ هُوَ مَنْقُولٌ إِلَى مَعْنًى جَدِيدٍ فِي اصْطِلَاحِ الشَّرْعِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 86
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست