responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 6
وَاسْمُ الْإِشَارَةِ مُبْتَدَأٌ وَالرسل خَبَرٌ، وَلَيْسَ الرُّسُلُ بَدَلًا لِأَنَّ الْإِخْبَارَ عَنِ الْجَمَاعَةِ بِأَنَّهَا الرُّسُلُ أَوْقَعُ فِي اسْتِحْضَارِ الْجَمَاعَةِ الْعَجِيبِ شَأْنُهُمُ الْبَاهِرِ خَبَرُهُمْ، وَجُمْلَةُ «فَضَّلْنَا» حَالٌ.
وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ تَمْجِيدُ سُمْعَةِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَتَعْلِيمُ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ هَاتِهِ الْفِئَةَ الطَّيِّبَةَ مَعَ عَظِيمِ شَأْنِهَا قَدْ فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَأَسْبَابُ التَّفْضِيلِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، غَيْرَ أَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى مَا جَرَى عَلَى أَيْدِيهِمْ مِنَ الْخَيْرَاتِ الْمُصْلِحَةِ لِلْبَشَرِ وَمِنْ نَصْرِ الْحَقِّ، وَمَا لَقُوهُ مِنَ الْأَذَى فِي سَبِيلِ ذَلِكَ، وَمَا أُيِّدُوا بِهِ مِنَ الشَّرَائِعِ الْعَظِيمَةِ الْمُتَفَاوِتَةِ فِي هُدَى الْبَشَرِ، وَفِي عُمُومِ ذَلِكَ الْهُدَى وَدَوَامِهِ، وَإِذَا
كَانَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ»
، فَمَا بَالُكَ بِمَنْ هَدَى اللَّهُ بِهِمْ أُمَمًا فِي أَزْمَانٍ مُتَعَاقِبَةٍ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلَ الرُّسُلِ. وَيَتَضَمَّنُ الْكَلَامُ ثَنَاءً عَلَيْهِمْ وَتَسْلِيَةً لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِيمَا لَقِيَ مِنْ قَوْمِهِ.
وَقَدْ خَصَّ اللَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الرُّسُلِ بَعْضًا بِصِفَاتٍ يَتَعَيَّنُ بِهَا الْمَقْصُودُ مِنْهُمْ، أَوْ بِذِكْرِ اسْمِهِ، فَذَكَرَ ثَلَاثَةً إِذْ قَالَ: مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ، وَهَذَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لِاشْتِهَارِهِ بِهَذِهِ الْخَصْلَةِ الْعَظِيمَةِ فِي الْقُرْآنِ، وَذَكَرَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَوَسَّطَ بَيْنِهِمَا الْإِيمَاءَ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَصْفِهِ، بِقَوْلِهِ: وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ.
وَقَوْلُهُ: وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْبَعْضِ هُنَا وَاحِدًا مِنَ الرُّسُلِ مُعَيَّنًا لَا طَائِفَةً، وَتَكُونَ الدَّرَجَاتُ مَرَاتِبَ مِنَ الْفَضِيلَةِ ثَابِتَةً لِذَلِكَ الْوَاحِدِ: لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الْبَعْضِ جَمَاعَةً مِنَ الرُّسُلِ مُجْمَلًا، وَمِنَ الدَّرَجَاتِ دَرَجَاتٍ بَيْنَهُمْ لَصَارَ الْكَلَامُ تَكْرَارًا مَعَ قَوْلِهِ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ بَعْضٌ فُضِّلَ عَلَى بَعْضٍ لَقَالَ، وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ [الْأَنْعَام: 165] .
وَعَلَيْهِ فَالْعُدُولُ مِنَ التَّصْرِيحِ بِالِاسْمِ أَوْ بِالْوَصْفِ الْمَشْهُورِ بِهِ لِقَصْدِ دَفْعِ الِاحْتِشَامِ عَنِ الْمُبَلِّغِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْوَصْفِ وَهُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْعَرَبُ تُعَبِّرُ بِالْبَعْضِ عَنِ
النَّفْسِ كَمَا فِي قَوْلِ لَبِيدٍ:
تَرَّاكُ أَمْكِنَةٍ إِذَا لَمْ أَرْضَهَا ... أَوْ يَعْتَلِقْ بَعْضَ النُّفُوسِ حِمَامُهَا

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 6
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست