responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 280
وَمَالِكُ بْنُ الصَّيْفِ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ يَهُودِ خَيْبَرَ، أَغْوَاهُمُ الْعُجْبُ بِدِينِهِمْ فَتَوَهَّمُوا أَنَّهُمْ قُدْوَةٌ لِلنَّاسِ فَلَمَّا أَعْيَتْهُمُ الْمُجَاهَرَةُ بِالْمُكَابَرَةِ دَبَّرُوا لِلْكَيْدِ مَكِيدَةً أُخْرَى، فَقَالُوا لِطَائِفَةٍ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ: «آمِنُوا بِمُحَمَّدٍ أَوَّلَ النَّهَارِ مُظْهِرِينَ أَنَّكُمْ صَدَّقْتُمُوهُ ثُمَّ اكْفُرُوا آخِرَ النَّهَارِ لِيَظْهَرَ أَنَّكُمْ كَفَرْتُمْ بِهِ عَنْ بَصِيرَةٍ وَتَجْرِبَةٍ فَيَقُولَ الْمُسْلِمُونَ مَا صَرَفَ هَؤُلَاءِ عَنَّا إِلَّا مَا انْكَشَفَ لَهُمْ مِنْ حَقِيقَةِ أَمْرِ هَذَا الدِّينِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الدِّينَ الْمُبَشَّرَ بِهِ فِي الْكُتُبِ السَّالِفَةِ» فَفَعَلُوا ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ: عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ لَفْظِ الْحِكَايَةِ بِأَنْ يَكُونَ الْيَهُودُ قَالُوا آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى أَتْبَاعِ مُحَمَّدٍ فَحَوَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا تَنْوِيهًا بِصِدْقِ إِيمَانِهِمْ.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنَ الْمَحْكِيِّ بِأَنْ يَكُونَ الْيَهُودُ أَطْلَقُوا هَذِهِ الصِّلَةَ عَلَى أَتْبَاعِ مُحَمَّدٍ إِذْ صَارَتْ عَلَمًا بِالْغَلَبَةِ عَلَيْهِمْ. وَوجه النَّهَارِ أَوَّلُهُ وَتَقَدَّمَ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ [آل عمرَان: 45] .
وَقَوْلُهُ: وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ مِنْ كَلَامِ الطَّائِفَةِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ قَصَدُوا بِهِ الِاحْتِرَاسَ أَلَّا يَظُنُّوا مِنْ قَوْلِهِمْ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ أَنَّهُ إِيمَانٌ حَقٌّ، فَالْمَعْنَى وَلَا تُؤْمِنُوا إِيمَانًا حَقًّا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ، فَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَلَا تُؤْمِنُوا بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْبَعْ دِينَكُمْ فَهَذَا تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ.
وَهَذَا اعْتِذَارٌ عَنْ إِلْزَامِهِمْ بِأَنَّ كُتُبَهُمْ بَشَّرَتْ بِمَجِيءِ رَسُولٍ مُقَفٍّ فَتَوَهَّمُوا أَنَّهُ لَا يَجِيءُ إِلَّا بِشَرِيعَةِ التَّوْرَاةِ، وَضَلُّوا عَنْ عَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي مَجِيئِهِ بِمَا فِي التَّوْرَاةِ لِأَنَّهُ مِنْ تَحْصِيل الْحَاصِل، فينزّه فِعْلُ اللَّهِ عَنْهُ، فَالرَّسُولُ الَّذِي يَجِيءُ بَعْدَ مُوسَى لَا يَكُونُ إِلَّا نَاسِخًا لِبَعْضِ شَرِيعَةِ التَّوْرَاةِ فَجَمْعُهُمْ بَيْنَ مَقَالَةِ: آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَبَيْنَ مَقَالَةِ: وَلا تُؤْمِنُوا مِثْلَ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ [الْأَنْفَال: 17] .
وَقَوْلُهُ: قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ كَلَامٌ مُعْتَرِضٌ، أُمِرَ النَّبِيءُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْ يَقُولَهُ لَهُمْ. كِنَايَةٌ عَنِ اسْتِبْعَادِ حُصُولِ اهْتِدَائِهِمْ، وَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَهْدِهِمْ، لِأَنَّ هُدَى غَيْرِهِ أَيْ مُحَاوَلَتَهُ هُدَى النَّاسِ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ الْمَطْلُوبُ، إِذَا لَمْ يُقَدِّرْهُ اللَّهُ. فَالْقَصْرُ حَقِيقِيٌّ: لِأَنَّ مَا لَمْ يُقَدِّرْهُ اللَّهُ فَهُوَ صُورَةُ الْهُدَى وَلَيْسَ بِهُدًى وَهُوَ مُقَابِلُ قَوْلِهِمْ:

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 280
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست