responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 271
عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لِي أَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُمُ ادِّعَاءً قَدِيمًا أَمْ كَانُوا قَدْ تَفَطَّنُوا إِلَيْهِ مِنْ دَعْوَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَيْقَظُوا لِتَقْلِيدِهِ فِي ذَلِكَ، أَمْ كَانُوا قَالُوا ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْإِفْحَامِ لِلرَّسُولِ حِينَ حَاجَّهُمْ بأنّ دينه هُوَ الْحَقُّ، وَأَنَّ الدِّينَ عِنْدَ الله الْإِسْلَام فألجؤوه إِلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ غَيْرَ مُخْرِجَةٍ عَنِ اتِّبَاعِهِ، فَهُوَ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ فِي دِينِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مُخْرِجَةً عَنْ دِينِ إِبْرَاهِيمَ فَلَا يَكُونُ الْإِسْلَامُ تَابِعًا لِدِينِ إِبْرَاهِيمَ.
وَأَحْسَبُ أَنَّ ادِّعَاءَهُمْ أَنَّهُمْ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّمَا انْتَحَلُوهُ لِبَثِّ كُلٍّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ الدَّعْوَةَ إِلَى دِينِهِ بَين الْعَرَب، وَلَا سِيمَا النَّصْرَانِيَّةَ، فَإِنَّ دُعَاتَهَا كَانُوا يُحَاوِلُونَ انْتِشَارَهَا بَيْنَ الْعَرَبِ
فَلَا يَجِدُونَ شَيْئًا يَرُوجُ عِنْدَهُمْ سِوَى أَنْ يَقُولُوا: إِنَّهَا مِلَّةُ إِبْرَاهِيمَ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ اتُّبِعَتْ فِي بَعْضِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَهُنَالِكَ أَخْبَارٌ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ تُثِيرُ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ:
فَرُوِيَ أَنَّ وَفْدَ نَجْرَانَ قَالُوا لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَعَاهُمْ إِلَى اتِّبَاعِ دِينِهِ: «عَلَى أَيِّ دِينٍ أَنْتَ- قَالَ: عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ- قَالُوا: فَقَدْ زِدْتَ فِيهِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ»
فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَكُونُ الْمُخَاطَبُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ هُنَا خُصُوصُ النَّصَارَى كَالْخِطَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَرُوِيَ: أَنَّهُ تَنَازَعَتِ الْيَهُودُ وَنَصَارَى نَجْرَانَ بِالْمَدِينَةِ، عِنْدَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَادَّعَى كُلُّ فَرِيقٍ أَنَّهُ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ دُونَ الْآخَرِ، فَيَكُونُ الْخِطَابُ لِأَهْلِ الْكِتَابِ كُلِّهِمْ، مِنْ يَهُودَ وَنَصَارَى.
وَلَعَلَّ اخْتِلَافَ الْمُخَاطَبِينَ هُوَ الدَّاعِي لِتَكْرِيرِ الْخِطَابِ.
وَقَوْلُهُ: وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ يَكُونُ عَلَى حَسَبِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَنْعًا لِقَوْلِهِمْ: فَقَدْ زِدْتَ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ، الْمَقْصُودُ مِنْهُ إِبْطَالُ أَنْ يَكُونَ الْإِسْلَامُ هُوَ دِينَ إِبْرَاهِيمَ. وَتَفْصِيلُ هَذَا الْمَنْعِ: إِنَّكُمْ لَا قِبَلَ لَكُمْ بِمَعْرِفَةِ دِينِ إِبْرَاهِيمَ، فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّ الْإِسْلَامَ زَادَ فِيمَا جَاءَ بِهِ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ، فَإِنَّكُمْ لَا مُسْتَنَدَ لكم فِي علمكُم بِأُمُورِ الدِّينِ إِلَّا التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ، وَهُمَا قَدْ نَزَلَا مِنْ بَعْدِ إِبْرَاهِيمَ، فَمِنْ أَيْنَ يُعْلَمُ مَا كَانَتْ شَرِيعَةُ إِبْرَاهِيمَ حَتَّى يُعْلَمَ الْمَزِيدُ عَلَيْهَا، وَذِكْرُ التَّوْرَاةِ عَلَى هَذَا لِأَنَّهَا أَصْلُ الْإِنْجِيلِ. وَيَكُونُ عَلَى حَسَبِ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ نَفْيًا لِدَعْوَى كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ، بِأَنَّ دِينَ الْيَهُودِ هُوَ التَّوْرَاةُ، وَدِينَ النَّصَارَى هُوَ الْإِنْجِيلُ، وَكِلَاهُمَا نَزَلَ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 271
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست