responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 137
يُقْدِرُهُ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ إِرَادَةِ الْفِعْلِ مَعَ سَلَامَةِ الْأَسْبَابِ وَالْآلَاتِ» وَمَا أَلْزَمَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْأَشْعَرِيَّ إِلْزَامٌ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَا لَا يُطَاقُ مَا لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ قُدْرَةُ الْعَبْدِ الظَّاهِرَةُ، الْمُعَبَّرُ عَنْهَا بِالْكَسْبِ، لِلْفَرْقِ الْبَيِّنِ بَيْنَ الْأَحْوَالِ الظَّاهِرَةِ، وَبَيْنَ الْحَقَائِقِ الْمَسْتُورَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَكَذَلِكَ لَا مَعْنًى لِإِدْخَالِ مَا عَلِمَ اللَّهُ عَدَمَ وُقُوعِهِ، كَأَمْرِ أَبِي جَهْلٍ بِالْإِيمَانِ مَعَ عِلْمِ اللَّهِ بِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ، فِي مَسْأَلَةِ التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ، أَوْ بِالْمُحَالِ لِأَنَّ عِلْمَ اللَّهِ ذَلِكَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَحَدٌ. وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا أَبَا لَهَبٍ إِلَى الْإِسْلَامِ وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُسْلِمُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ إِلَى قَوْلِهِ سَيَصْلى نَارًا ذاتَ لَهَبٍ [المسد: [1]، 3] فَقَدْ يُقَالُ: إِنَّهُ بَعْدَ
نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ لَمْ يُخَاطَبْ بِطَلَبِ الْإِيمَانِ وَإِنَّمَا خُوطِبَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَبِذَلِكَ نَسْلَمُ مِنْ أَنْ نَقُولَ: إِنَّهُ خَارِجٌ عَنِ الدَّعْوَةِ، وَمِنْ أَنْ نَقُولَ: إِنَّهُ مُخَاطَبٌ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ تَقْتَضِي عَدَمَ وُقُوعِ التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ فِي الشَّرِيعَةِ، بِحَسَبِ الْمُتَعَارَفِ فِي إِرَادَةِ الْبَشَرِ وَقُدَرِهِمْ، دُونَ مَا هُوَ بِحَسَبِ سِرِّ الْقَدَرِ، وَالْبَحْثِ عَنْ حَقِيقَةِ الْقُدْرَةِ الْحَادِثَةِ، نَعَمْ يُؤْخَذُ مِنْهَا الرَّدُّ عَلَى الْجَبْرِيَّةِ.
وَقَوْلُهُ: لَها مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ حَالٌ مِنْ «نَفْسًا» لِبَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْوُسْعِ الَّذِي كُلِّفَتْ بِهِ النَّفْسُ: وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ جَاءَتْ بِخَيْرٍ كَانَ نَفْعُهُ لَهَا وَإِنْ جَاءَتْ بِشَرٍّ كَانَ ضَرُّهُ عَلَيْهَا.
وَهَذَا التَّقْسِيمُ حَاصِلٌ مِنَ التَّعْلِيقِ بِوَاسِطَةِ «اللَّامِ» مَرَّةً وَبِوَاسِطَةٍ (عَلَى) أُخْرَى. وَأَمَّا كَسَبَتْ وَاكْتَسَبَتْ فَبِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لِأَنَّ الْمُطَاوَعَةَ فِي اكْتَسَبَ لَيْسَتْ عَلَى بَابِهَا، وَإِنَّمَا عَبَّرَ هُنَا مرّة بكسبت وَأُخْرَى باكتسبت تَفَنُّنًا وَكَرَاهِيَةَ إِعَادَةِ الْكَلِمَةِ بِعَيْنِهَا، كَمَا فَعَلَ ذُو الرُّمَّةِ فِي قَوْلِهِ:
وَمُطْعَمِ الصَّيْدِ هَبَّالٍ لِبُغْيَتِهِ ... أَلْفَى أَبَاهُ بِذَاكَ الْكَسْبِ مُكْتَسِبَا (1)
وَقَوْلُ النَّابِغَةِ:
فَحَمَلْتُ بَرَّةَ وَاحْتَمَلْتَ فَجَارِ

وَابْتُدِئَ أَوَّلًا بِالْمَشْهُورِ الْكَثِيرِ، ثُمَّ أُعِيدَ بِمُطَاوِعِهِ، وَقَدْ تَكُونُ، فِي اخْتِيَارِ الْفِعْلِ الَّذِي أَصْلُهُ دَالٌّ عَلَى الْمُطَاوَعَةِ، إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الشُّرُورَ يَأْمُرُ بِهَا الشَّيْطَانُ، فَتَأْتَمِرُ

[1] الهبال: الْمُحْتَال. وَالْمَقْصُود أَنه حذق بالصيد وَارثه عَن أَبِيه.
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 137
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست