responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 136
شَهِيرًا، دَعَا إِلَيْهِ الْتِزَامُ الْفَرِيقَيْنِ لِلَوَازِمِ أُصُولِهِمْ وَقَوَاعِدِهِمْ فَقَالَتِ الْأَشَاعِرَةُ: يَجُوزُ عَلَى اللَّهِ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَتِهِمْ فِي نَفْيِ وُجُوبِ الصَّلَاحِ عَلَى اللَّهِ، وَأَنَّ مَا يَصْدُرُ مِنْهُ تَعَالَى كُلُّهُ عَدْلٌ لِأَنَّهُ مَالِكُ الْعِبَادِ، وَقَاعِدَتُهُمْ فِي أَنَّهُ تَعَالَى يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ، وَعَلَى قَاعِدَتِهِمْ فِي أَنَّ ثَمَرَةَ التَّكْلِيفِ لَا تَخْتَصُّ بِقَصْدِ الِامْتِثَالِ بَلْ قَدْ تَكُونُ لِقَصْدِ التَّعْجِيزِ وَالِابْتِلَاءِ وَجَعْلِ الِامْتِثَالِ عَلَامَةً عَلَى السَّعَادَةِ، وَانْتِفَائِهِ عَلَامَةً عَلَى الشَّقَاوَةِ، وَتَرَتُّبِ الْإِثْم لأنّ الله تَعَالَى إِثَابَةَ
الْعَاصِي، وَتَعْذِيبَ الْمُطِيعِ، فَبِالْأَوْلَى تَعْذِيبُ مَنْ يَأْمُرُهُ بِفِعْلٍ مُسْتَحِيلٍ، أَوْ مُتَعَذَّرٍ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ تَكْلِيفِ الْمُصَوِّرِ بِنَفْخِ الرُّوحِ فِي الصُّورَةِ وَمَا هُوَ بِنَافِخٍ، وَتَكْلِيفِ الْكَاذِبِ فِي الرُّؤْيَا بِالْعَقْدِ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ وَمَا هُوَ بِفَاعِلٍ. وَلَا دَلِيلَ فِيهِ لِأَنَّ هَذَا فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ، وَلِأَنَّهُمَا خَبَرَا آحَادٍ لَا تَثْبُتُ بِمِثْلِهَا أُصُولُ الدِّينِ. وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: يَمْتَنِعُ التَّكْلِيفُ بِمَا لَا يُطَاقُ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَتِهِمْ فِي أنّه يجب الله فِعْلُ الصَّلَاحِ وَنَفْيُ الظُّلْمِ عَنْهُ، وَقَاعِدَتِهِمْ فِي أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَخْلُقُ الْمُنْكَرَاتِ مِنَ الْأَفْعَالِ، وَقَاعِدَتِهِمْ فِي أَنَّ ثَمَرَةَ التَّكْلِيفِ هُوَ الِامْتِثَالُ وَإِلَّا لَصَارَ عَبَثًا وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ عَلَى اللَّهِ، وَأَنَّ اللَّهَ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ تَعْذِيبُ الْمُطِيعِ وَإِثَابَةُ الْعَاصِي.
وَاسْتَدَلُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَبِالْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أُصُولِهَا: مِثْلِ وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً [الْكَهْف: 49] وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الْإِسْرَاء: 15] قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ [الْأَعْرَاف: 28] إِلَخ.
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الَّذِي جَرَّ إِلَى الْخَوْضِ فِي الْمَسْأَلَةِ هُوَ الْمُنَاظَرَةُ فِي خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ فَإِنَّ الْأَشْعَرِيَّ لَمَّا نَفَى قُدْرَةَ الْعَبْدِ، وَقَالَ بِالْكَسْبِ، وَفَسَّرَهُ بِمُقَارَنَةِ قُدْرَةِ الْعَبْدِ لِحُصُولِ الْمَقْدُورِ دُونَ أَنْ تَكُونَ قُدْرَتُهُ مُؤَثِّرَةً فِيهِ، أَلْزَمَهُمُ الْمُعْتَزِلَةُ الْقَوْلَ بِأَنَّ اللَّهَ كَلَّفَ الْعِبَادَ بِمَا لَيْسَ فِي مَقْدُورِهِمْ، وَذَلِكَ تَكْلِيفٌ بِمَا لَا يُطَاقُ، فَالْتَزَمَ الْأَشْعَرِيُّ ذَلِكَ، وَخَالَفَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ الأشعريّ فِي جَوَازِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ وَالْآيَةُ لَا تَنْهَضُ حجَّة على كلا الْفَرِيقَيْنِ فِي حُكْمِ إِمْكَانِ ذَلِكَ.
ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمُجَوِّزُونَ: هَلْ هُوَ وَاقِعٌ، وَقَدْ حَكَى الْقُرْطُبِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ وَهُوَ الصَّوَابُ فِي الْحِكَايَةِ، وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ- فِي «الْبُرْهَانِ» -: «وَالتَّكَالِيفُ كُلُّهَا عِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ مِنَ التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ، لِأَنَّ الْمَأْمُورَاتِ كُلَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِأَفْعَالٍ هِيَ عِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ غَيْرُ مَقْدُورَةٍ لِلْمُكَلَّفِ، فَهُوَ مَأْمُورٌ بِالصَّلَاةِ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 136
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست