responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 99
يُلَاحِظُوا أَحْوَالَهُمْ نَحْو امْتِثَال رضى خَالِقِهِمْ وَمُحَاسِبَةِ أَنْفُسِهِمْ حَتَّى لَا يَحْسَبُوا أَنَّ الْجَزَاءَ الَّذِي أُوعِدُوا بِهِ مَقْصُورٌ عَلَى الْجَزَاءِ فِي الْآخِرَةِ بَلْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ قَدْ يُصِيبُهُمُ اللَّهُ بِمَا هُوَ جَزَاءٌ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَمَّا كَانَ مَا أَصَابَ قُرَيْشًا مِنَ الْقَحْطِ وَالْجُوعِ اسْتِجَابَةً لدَعْوَة النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَانَتْ تِلْكَ الدَّعْوَةُ نَاشِئَةً على مَا لاقوه بِهِ مِنَ الْأَذَى، لَا جَرَمَ كَانَ مَا أَصَابَهُمْ مُسَبَّبًا عَلَى مَا كَسَبَتْ أَيْدِيهِمْ.
فَالْجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا [الشورى: 28] ،
وَأُطْلِقَ كَسْبُ الْأَيْدِي عَلَى الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ الْمُنْكَرَةِ عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ بِعَلَاقَةِ الْإِطْلَاقِ، أَيْ بِمَا صَدَرَ مِنْكُمْ مِنْ أَقْوَال الشّرك والأذى للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِعْلِ الْمُنْكَرَاتِ النَّاشِئَةِ عَنْ دِينِ الشِّرْكِ.
وَالْخِطَابُ لِلْمُشْرِكِينَ ابْتِدَاءٌ لِأَنَّهُمُ الْمَقْصُودُ مِنْ سِيَاقِ الْآيَاتِ كُلِّهَا وَهُمْ أَوْلَى بِهَذِهِ الْمَوْعِظَةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا غَيْرَ مُؤْمِنِينَ بِوَعِيدِ الْآخِرَةِ وَيَشْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ وَبِمَا دَلَّ عَلَى شُمُولِ هَذَا الْحُكْمِ لَهُمْ مِنَ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ وَمِنْ آيَاتٍ أُخْرَى.
وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، أَيْ سَبَبُ مَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ هُوَ أَعْمَالُكُمْ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَر فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ عَلَى أَنَّ (مَا) مَوْصُولَةٌ وَهِي مُبْتَدأ. وفَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ هُوَ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ. وَكَذَلِكَ كُتِبَتْ فِي مُصْحَفِ الْمَدِينَةِ وَمُصْحَفِ الشَّامِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ بِفَاءٍ قَبْلَ الْبَاءِ وَكَذَلِكَ كُتِبَتْ فِي مُصْحَفِ الْبَصْرَةِ وَمُصْحَفِ الْكُوفَةِ، عَلَى أَنَّ (مَا) مُتَضَمِّنَةٌ مَعْنَى الشَّرْطِ فَاقْتَرَنَ خَبَرُهَا بِالْفَاءِ لِذَلِكَ، أَوْ هِيَ شَرْطِيَّةٌ وَالْفَاءُ رَابِطَةٌ لِجَوَابِ الشَّرْطِ وَيَكُونُ وُقُوعُ فِعْلِ الشَّرْطِ مَاضِيًا لِلدَّلَالَةِ عَلَى التَّحَقُّقِ.
ومِنْ بَيَانِيَّةٌ عَلَى الْقِرَاءَتَيْنِ لِمَا فِي الْمَوْصُولِ وَاسْمِ الشَّرْطِ مِنَ الْإِبْهَامِ.
وَالْمُصِيبَةُ: اسْمٌ لِلْحَادِثَةِ الَّتِي تُصِيبُ بِضُرٍّ وَمَكْرُوهٍ، وَقَدْ لَزِمَتْهَا هَاءُ التَّأْنِيثِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْحَادِثَةِ فَلِذَلِكَ تُنُوسِيَتْ مِنْهَا الْوَصْفِيَّةُ وَصَارَتِ اسْمًا لِلْحَادِثَةِ الْمَكْرُوهَةِ.
فَقِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ تُعَيِّنُ مَعْنَى عُمُومِ التَّسَبُّبِ لِأَفْعَالِهِمْ فِيمَا يُصِيبُهُمْ مِنَ الْمَصَائِبِ لِأَنَّ (مَا) فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ إِمَّا شَرْطِيَّةٌ وَالشَّرْطُ دَالٌّ عَلَى التَّسَبُّبِ وَإِمَّا مَوْصُولَةٌ مُشَبَّهَةٌ بِالشَّرْطِيَّةِ، فَالْمَوْصُولِيَّةُ تُفِيدُ الْإِيمَاءَ إِلَى عِلَّةِ الْخَبَرِ، وَتَشْبِيهُهَا بِالشَّرْطِيَّةِ يُفِيدُ التَّسَبُّبَ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 99
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست