responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 100
وَقِرَاءَةُ نَافِعٍ وَابْنُ عَامِرٍ لَا تُعَيِّنُ التَّسَبُّبَ بَلْ تُجَوِّزُهُ لِأَنَّ الْمَوْصُولَ قَدْ يُرَادُ بِهِ وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ بِالْوَصْفِ بِالصِّلَةِ، فَتُحَمَلُ عَلَى الْعُمُومِ بِالْقَرِينَةِ وَبِتَأْيِيدِ الْقِرَاءَةِ الْأُخْرَى لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي اخْتِلَافِ الْقِرَاءَاتِ الصَّحِيحَةِ اتِّحَادُ الْمَعَانِي. وَكِلْتَا الْقِرَاءَتَيْنِ سَوَاءٌ فِي احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ بِالْخِطَابِ فَرِيقًا مُعَيَّنًا وَأَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ بِهِ جَمِيعَ النَّاسِ، وَكَذَلِكَ فِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَصَائِبَ مُعَيَّنَةً حَصَلَتْ فِي الْمَاضِي، وَأَنْ يُرَادَ جَمِيعُ الْمَصَائِبِ الَّتِي حَصَلَتْ وَالَّتِي تَحْصُلُ.
وَمَعْنَى الْآيَةِ عَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ يُفِيدُ: أَنَّ مِمَّا يُصِيبُ النَّاسَ مِنْ مَصَائِبِ الدُّنْيَا مَا هُوَ جَزَاءٌ لَهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمُ الَّتِي لَا يَرْضَاهَا اللَّهُ تَعَالَى كَمَثَلِ الْمُصِيبَةِ أَوِ الْمَصَائِبِ الَّتِي أَصَابَتِ الْمُشْرِكِينَ لِأَجْلِ تَكْذِيبِهِمْ وأذاهم للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثُمَّ إِنْ كَانَتْ (مَا) شَرْطِيَّةً كَانَتْ دَلَالَتُهَا عَلَى عُمُومِ مَفْهُومِهَا الْمُبَيَّنِ بِحَرْفِ مِنْ الْبَيَانِيَّةِ أَظْهَرَ لِأَنَّ شَرْطَهَا الْمَاضِيَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ كَمَا هُوَ كَثِيرٌ فِي الشُّرُوطِ الْمَصُوغَةِ بِفِعْلِ الْمُضِيِّ وَالتَّعْلِيقَ الشَّرْطِيَّ يُمَحِّضُهَا لِلْمُسْتَقْبَلِ، وَإِنْ كَانَتْ (مَا) مَوْصُولَةً كَانَتْ دَلَالَتُهَا مُحْتَمِلَةً لِلْعُمُومِ وَلِلْخُصُوصِ لِأَنَّ الْمَوْصُولَ يَكُونُ لِلْعَهْدِ وَيَكُونُ لِلْجِنْسِ.
وَأَيًّا مَا كَانَ فَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ مِنَ الْمَصَائِبِ الَّتِي تُصِيبُ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا مَا سَلَّطَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ جَزَاءً عَلَى سُوءِ أَعْمَالِهِمْ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ ثَابِتًا بِالنِّسْبَةِ لِأُنَاسٍ مُعَيَّنِينَ كَانَ فِيهِ نِذَارَةٌ وَتَحْذِيرٌ لِغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَفْعَلُ مِنْ جِنْسِ أَفْعَالِهِمْ أَنْ تَحِلَّ بِهِمْ مَصَائِبُ فِي الدُّنْيَا جَزَاءً عَلَى أَعْمَالِهِمْ زِيَادَةً فِي التَّنْكِيلِ بِهِمْ إِلَّا أَنَّ هَذَا الْجَزَاءَ لَا يَطَّرِدُ فَقَدْ يُجَازِي اللَّهُ قُومًا عَلَى أَعْمَالِهِمْ جَزَاءً فِي الدُّنْيَا مَعَ جَزَاءِ الْآخِرَةِ، وَقَدْ يَتْرُكُ قَوْمًا إِلَى جَزَاءِ الْآخِرَةِ، فَجَزَاءُ الْآخِرَةِ فِي الْخَيْرِ الشَّرّ هُوَ الْمُطَّرِدُ الْمَوْعُودُ بِهِ، وَالْجَزَاءُ فِي الدُّنْيَا قَدْ يَحْصُلُ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ.
وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ فِي آيَاتٍ وَأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ بِوَجْهِ الْكُلِّيَّةِ وَبِوَجْهِ الْجُزْئِيَّةِ، فَمِمَّا جَاءَ بِطَرِيقِ الْكُلِّيَّةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا [الْفجْر: 15- 19] الْآيَةَ،

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 100
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست