responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 216
لَنْ يُخْلِصَ الْعَامَ خَلِيلٌ عَشْرَا ... ذَاقَ الضِّمَادَ أَوْ يَزُورَ الْقَبْرَا
وَقَدْ حَصَلَ مِنِ اجْتِمَاعِ هَذِهِ الدَّوَالِّ الثَّلَاثِ فِي الْآيَةِ طِبَاقٌ عَزِيزٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ مَعَانٍ مُتَضَادَّةٍ فِي الْجُمْلَة.
[40]

[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 40]
أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (40)
تَفْرِيعٌ عَلَى جُمْلَةِ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً [الزخرف: 36] لِأَنَّ ذَلِكَ أَفَادَ تَوَغُّلَهُمْ فِي الضَّلَالَةِ وَعُسْرَ انْفِكَاكِهِمْ عَنْهَا، لِأَنَّ مُقَارَنَةَ الشَّيَاطِينِ لَهُمْ تَقْتَضِي ذَلِكَ، فَانْتَقَلَ مِنْهُ إِلَى التَّهْوِينِ على النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُلَاقِيهِ مِنَ الْكَدِّ وَالتَّحَرُّقِ عَلَيْهِمْ فِي تَصْمِيمِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ وَالْغَيِّ وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى تَأْيِيسٍ مِنَ اهْتِدَاءِ أَكْثَرِهِمْ.
وَالِاسْتِفْهَامُ لِإِنْكَارِ أَنْ يَكُونَ حرص الرّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هُدَاهُمْ نَاجِعًا فِيهِمْ إِذَا كَانَ اللَّهُ قَدَّرَ ضَلَالَهُمْ فَأَوْجَدَ أَسْبَابَهُ، قَالَ تَعَالَى: إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ [النَّحْل: 37] ، وَلَمَّا كَانَ حَال الرّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُعَاوَدَةِ دَعْوَتِهِمْ كَحَالِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إِيصَالِ التَّذْكِيرِ إِلَى قُلُوبِهِمْ نَزَلَ مَنْزِلَةَ مَنْ يَظُنُّ ذَلِكَ فَخُوطِبَ بِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِ وَسُلِّطَ الِاسْتِفْهَامُ عَلَى كَلَامٍ فِيهِ طَرِيقُ قَصْرٍ بِتَقْدِيمِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَلَى الْخَبَرِ الْفِعْلِيِّ مَعَ إِيلَاءِ الضَّمِيرِ حَرْفَ الْإِنْكَارِ وَهُوَ قَصْرٌ مُؤَكَّدٌ وَقَصْرُ قَلْبٍ، أَيْ أَنْتَ لَا تُسْمِعُهُمْ وَلَا تَهْدِيهِمْ بَلِ اللَّهُ يُسْمِعُهُمْ وَيَهْدِيهِمْ إِنْ شَاءَ، وَهُوَ نَظِيرُ أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [يُونُس:
99] .
وَمِنْ بَدِيعِ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ اللَّهَ وَصَفَ حَالَ إِعْرَاضِهِمْ عَن الذّكر بالعشا، وَهُوَ النَّظَرُ الَّذِي لَا يَتَبَيَّنُ شَبَحَ الشَّيْءِ الْمَنْظُورِ إِلَيْهِ ثُمَّ وَصَفَهُمْ هُنَا بِالصُّمِّ الْعُمْيِ إِشَارَةً أَنَّ التَّمَحُّلَ لِلضَّلَالِ وَمُحَاوَلَةَ تَأْيِيدِهِ يَنْقَلِبُ بِصَاحِبِهِ إِلَى أَشَدِّ الضَّلَالِ لَا أَنَّ التَّخَلُّقَ يَأْتِي دُونَهُ الْخُلُقُ وَالْأَحْوَالُ تَنْقَلِبُ مَلَكَاتٍ. وَهُوَ مَعْنَى
قَول النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا»
أَيْ حَتَّى يَحِقَّ عَلَيْهِ أَنَّ الْكَذِبَ مَلَكَةٌ لَهُ، وَإِذْ قَدْ كَانَ إِعْرَاضُهُمُ انْصِرَافًا عَنِ اسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ وَعَنِ النَّظَرِ فِي الْآيَاتِ كَانَ حَالُهُمْ يُشْبِهُ حَالَ الصُّمِّ الْعُمْيِ كَمَا مَهَّدَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ [الزخرف: 36]

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 216
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست