responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 14
[سُورَة فصلت (41) : آيَة 51]
وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (51)
هَذَا وَصْفٌ وَتَذْكِيرٌ بِضَرْبٍ آخَرَ مِنْ طُغْيَانِ النَّفْسِ الْإِنْسَانِيَّةِ غَيْرِ خَاصٍّ بِأَهْلِ الشِّرْكِ بَلْ هُوَ مُنْبَثٌّ فِي جَمِيعِ النَّاسِ عَلَى تَفَاوُتٍ إِلَّا مَنْ عَصَمَ اللَّهُ. وَهُوَ تَوْصِيفٌ لِنَزَقِ النَّفْسِ الْإِنْسَانِيِّ وَقِلَّةِ ثَبَاتِهِ فَإِذَا أَصَابَتْهُ السَّرَّاءُ طَغَا وَتَكَبَّرَ وَنَسِيَ شُكْرَ رَبِّهِ نِسْيَانًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَشُغِلَ بِلَذَّاتِهِ، وَإِذَا أَصَابَتْهُ الضَّرَّاءُ لَمْ يَصْبِرْ وَجَزِعَ وَلَجَأَ إِلَى رَبِّهِ يُلِحُّ بِسُؤَالِ كَشْفِ الضَّرَّاءِ عَنْهُ سَرِيعًا. وَفِي ذِكْرِ هَذَا الضَّرْبِ تَعَرُّضٌ لِفِعْلِ اللَّهِ وَتَقْدِيرِهِ الْخَلَّتَيْنِ السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ. وَهُوَ نَقْدٌ لِسُلُوكِ الْإِنْسَانِ فِي الْحَالَتَيْنِ وَتَعْجِيبٌ مِنْ شَأْنِهِ. وَمَحَلُّ النَّقْدِ وَالتَّعْجِيبِ مِنْ إِعْرَاضِهِ وَنَأْيِهِ بِجَانِبِهِ وَاضِحٌ، وَأَمَّا مَحَلُّ الِانْتِقَادِ وَالتَّعْجِيبِ مِنْ أَنَّهُ ذُو دُعَاء عريض عِنْد مَا يَمَسُّهُ الشَّرُّ فَهُوَ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَتَذَكَّرِ الْإِقْبَالَ عَلَى دُعَاءِ ربّه إِلَّا عِنْد مَا يَمَسُّهُ الشَّرُّ وَكَانَ الشَّأْنُ أَنْ لَا يَغْفُلَ عَنْ ذَلِكَ فِي حَالِ النِّعْمَةِ فَيَدْعُوَ بِدَوَامِهَا وَيَشْكُرَ رَبَّهُ عَلَيْهَا وَقَبُولِ شُكْرِهِ لِأَنَّ تِلْكَ الْحَالَةَ أَوْلَى بِالْعِنَايَةِ مِنْ حَالَةِ مَسِّ الضُّرِّ.
وَأَمَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: لَا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ إِلَى قَوْله: لَلْحُسْنى [فصلت: 49، 50] فَهُوَ وَصْفٌ لِضَرْبٍ آخَرَ أَشَدَّ، وَهُوَ خَاصٌّ بِأَهْلِ الشِّرْكِ لِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ قَوْلِهِ: وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً [الْكَهْف: 36] ، فَلَيْسَ قَوْلُهُ: وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ إِلَخْ تَكْرِيرًا مَعَ قَوْلِهِ: لَا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ [فصلت: 49] الْآيَةَ. فَهَذَا التَّفَنُّنُ فِي وَصْفِ أَحْوَالِ الْإِنْسَانِ مَعَ رَبِّهِ هُوَ الَّذِي دَعَا إِلَى مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَإِذا أَنْعَمْنا مِنْ بَعْضِ التَّكْرِيرِ لِمَا ذَكَرَ فِي الضَّرْبِ الْمُتَقَدِّمِ لِزِيَادَةِ تَقْرِيرِهِ، وَلِلْإِشَارَةِ إِلَى اخْتِلَافِ الْحَالَتَيْنِ بِاعْتِبَارِ الشِّرْكِ وَعَدَمِهِ مَعَ اتِّحَادِهِمَا فِي مَثَارِ الْجِبِلَّةِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَبِاعْتِبَارِ مَا قَدَّرَهُ اللَّهُ لِلْإِنْسَانِ.
وَالْإِعْرَاضُ: الِانْصِرَافُ عَنْ شَيْءٍ، وَهُوَ مُسْتَعَارٌ هُنَا لِلْغَفْلَةِ عَنْ شُكْرِ الْمُنْعِمِ أَوِ التَّعَمُّدِ لِتَرْكِ الشُّكْرِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 14
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست