responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 13
يَقْتَضِيهِ دِينُ الشِّرْكِ. وَلَا نَظَرَ فِي الْآيَةِ لِمَنْ كَانَ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمُ النَّادِرُ، عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ قَدْ يُخَامِرُهُ بَعْضُ هَذَا الْخُلُقِ وَتَرْتَسِمُ فِيهِ شِيَاتٌ مِنْهُ وَلَكِنَّ إِيمَانَهُ يَصْرِفُهُ عَنْهُ انْصِرَافًا بِقَدْرِ قُوَّةِ إِيمَانِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ بِهِ إِلَى الْحَدِّ الَّذِي يَقُولُ وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً، وَلَكِنَّهُ قَدْ تَجْرِي أَعْمَالُ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى صُورَةِ أَعْمَالِ مَنْ لَا يَظُنُّ أَنَّ السَّاعَةَ قَائِمَةٌ مِثْلَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَأْتُونَ السَّيِّئَاتِ ثُمَّ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَاللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِنَا، وَإِذَا ذُكِرَ لَهُمْ يَوْمُ الْجَزَاءِ قَالُوا: مَا ثَمَّ إِلَّا الْخَيْرُ وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَجَعَلَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَذَمَّةً لِلْمُشْرِكِينَ وَمَوْعِظَةً لِلْمُؤْمِنِينَ كَمَدًا لِلْأَوَّلِينَ وَانْتِشَالًا لِلْآخِرِينَ.
فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ.
تَفْرِيعٌ عَلَى جُمْلَةِ وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي [فصلت: 47] وَمَا اتَّصَلَ بِهَا أَيْ فَلَنُعْلِمَنَّهُمْ بِمَا عَمِلُوا عَلَنًا يَعْلَمُونَ بِهِ أَنَّا لَا يَخْفَى عَلَيْنَا شَيْءٌ مِمَّا عَمِلُوهُ وَتَقْرِيعًا لَهُمْ.
وَقَوْلُ: الَّذِينَ كَفَرُوا إِظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ، وَمُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُقَالَ:
وَلَنُنَبِّئَنَّهُمْ بِمَا عَمِلُوا، فَعَدَلَ إِلَى الْمَوْصُولِ وَصِلَتِهِ لِمَا تُؤْذِنُ بِهِ الصِّلَةُ مِنْ عِلَّةِ اسْتِحْقَاقِهِمُ الْإِذَاقَةَ بِمَا عَمِلُوا وَإِذَاقَةَ الْعَذَابِ. وَقَوْلُهُ: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ التَّفْرِيعِ.
وَالْغَلِيظُ حَقِيقَتُهُ: الصُّلْبُ، قَالَ تَعَالَى: فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ [الْفَتْح: 29] ، وَهُوَ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِلْقَوِيِّ فِي نَوْعِهِ، أَيْ عَذَابٍ شَدِيدِ الْإِيلَامِ وَالتَّعْذِيبِ، كَمَا اسْتُعِيرَ لِلْقَسَاوَةِ فِي الْمُعَامَلَةِ فِي قَوْلِهِ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [التَّوْبَة: 73] وَقَوْلِهِ: وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً [التَّوْبَة:
123] .
والإذاقة: مَجَازٌ فِي مُطْلَقِ الْإِصَابَةِ فِي الْحِسِّ لِإِطْمَاعِهِمْ أَنَّهَا إِصَابَةٌ خَفِيفَةٌ كَإِصَابَةِ الذَّوْقِ بِاللِّسَانِ. وَهَذَا تَجْرِيدٌ لِلْمَجَازِ كَمَا أَنَّ وَصْفَهُ بِالْغَلِيظِ تَجْرِيدٌ ثَانٍ فَحَصَلَ مِنْ ذَلِكَ ابْتِدَاءٌ مُطْمِعٌ وانتهاء مؤيس.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 13
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست