responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 127
خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ فِي سُورَةِ الْقَمَرِ [7] ، وَقَوْلِهِ: وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً فِي سُورَةِ طه [108] .
وَالْمُرَادُ بِالْخُشُوعِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَا يَبْدُو عَلَيْهِمْ مِنْ أَثَرِ الْمَذَلَّةِ وَالْمَخَافَةِ. فَقَوْلُهُ: مِنَ الذُّلِّ مُتَعَلِّقٌ بِ خاشِعِينَ وَتَعَلُّقُهُ بِهِ يُغْنِي عَنْ تَعْلِيقِهِ بِ يَنْظُرُونَ وَيُفِيدُ مَا لَا يُفِيدُهُ تَعْلِيقُهُ بِهِ.
ومِنَ لِلتَّعْلِيلِ، أَيْ خَاشِعِينَ خُشُوعًا نَاشِئًا عَنِ الذُّلِّ، أَيْ لَيْسَ خُشُوعُهُمْ لِتَعْظِيمِ اللَّهِ وَالِاعْتِرَافِ لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ لِأَنَّ ذَلِكَ الِاعْتِقَادَ لَمْ يَكُنْ مِنْ شَأْنِهِمْ فِي الدُّنْيَا.
وَجُمْلَةُ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ خاشِعِينَ لِأَنَّ النَّظَرَ مِنْ طَرَفٍ خَفِيٍّ حَالَةٌ لِلْخَاشِعِ الذَّلِيلِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِهَا تَصْوِيرُ حَالَتِهِمُ الْفَظِيعَةِ.
وَفِي قَرِيبٍ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ النَّابِغَةِ يَصِفُ سَبَايَا:
يَنْظُرْنَ شَزْرًا إِلَى مَنْ جَاءَ عَنْ عُرُضٍ ... بِأَوْجُهٍ مُنْكِرَاتِ الرِّقِّ أَحْرَارِ
وَقَوْلُ جَرِيرٍ:
فَغُضَّ الطَّرْفَ إِنَّكَ مِنْ نُمَيْرٍ ... فَلَا كَعْبًا بَلَغْتَ وَلَا كِلَابَا
وَالطَّرْفُ: أَصْلُهُ مَصْدَرٌ، وَهُوَ تَحْرِيكُ جَفْنِ الْعَيْنِ، يُقَالُ: طَرَفَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ، أَيْ حَرَّكَ جَفْنَهُ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْعَيْنِ مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِفِعْلِهِ، وَلِذَلِكَ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ قَالَ تَعَالَى: لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ [إِبْرَاهِيم: 43] . وَوَصْفُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِ خَفِيٍّ يَقْتَضِي أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ حَرَكَةُ الْعَيْنِ، أَيْ يَنْظُرُونَ نَظَرًا خَفِيًّا، أَيْ لَا حِدَّةَ لَهُ فَهُوَ كَمُسَارَقَةِ النَّظَرِ، وَذَلِكَ مِنْ هَوْلِ مَا يَرَوْنَهُ مِنَ الْعَذَابِ، فَهُمْ يُحْجِمُونَ عَنْ مُشَاهَدَتِهِ لِلرَّوْعِ الَّذِي يُصِيبُهُمْ مِنْهَا، وَيَبْعَثُهُمْ مَا فِي الْإِنْسَانِ مِنْ حُبِّ الِاطِّلَاعِ عَلَى أَنْ يَتَطَلَّعُوا لِمَا يُسَاقُونَ إِلَيْهِ كَحَالِ الْهَارِبِ الْخَائِفِ مِمَّنْ يَتْبَعُهُ، فَتَرَاهُ يُمْعِنُ فِي الْجَرْيِ وَيَلْتَفِتُ وَرَاءَهُ الْفَيْنَةَ بَعْدَ الْفَيْنَةِ لِيَنْظُرَ هَلِ اقْتَرَبَ مِنْهُ الَّذِي يَجْرِي وَرَاءَهُ وَهُوَ فِي تِلْكَ الِالْتِفَاتَةِ أَفَاتَ خُطُوَاتٍ مِنْ جَرْيِهِ لَكِنَّ حُبَّ الِاطِّلَاعِ يُغَالِبُهُ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 127
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست