responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 116
وَمِنْهُمْ مَنْ عَدَلَ عَنِ الزِّيَادَةِ مُطْلَقًا وَهُوَ قَوْلُ دَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَدَلَ عَنْ تِلْكَ الزِّيَادَةِ فِي الْقَطْعِ وَلَمْ يَعْدِلْ عَنْهَا فِي الْقَتْلِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى بِهِ فِي الْقَتْلِ وَلَمْ يُؤْثَرْ عَنْ أَحَدٍ فِي الْقَطْعِ. وَرُبَّمَا أَلْغَى بَعْضُهُمُ الزِّيَادَةَ إِذَا كَانَ طَرِيقُ ثُبُوتِ الْجِنَايَةِ ضَعِيفًا مِثْلَ الْقَسَامَةِ مَعَ اللَّوْثِ عِنْدَ مَنْ يَرَى الْقِصَاصَ بِهَا فَإِنَّ مَالِكًا لَمْ يَرَ أَنْ يُقْتَلَ بِالْقَسَامَةِ أَكْثَرُ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِي نَحْوِ هَذَا تُحَقَّقُ بِقِيمَةِ الْغُرْمِ كَمَا اعْتُبِرَتْ فِي الدِّيَاتِ وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ.
وَجُمْلَةُ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ فِي مَوْضِعِ الْعِلَّةِ لِكَلَامٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ فَيُقَدَّرُ: أَنَّهُ يُحِبُّ الْعَافِينَ كَمَا قَالَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمرَان: 134] . وَنَصْرُهُ عَلَى ظَالِمِهِ مَوْكُولٌ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، أَيْ فَيُؤْجِرُ الَّذِينَ عَفَوْا وَيَنْتَصِرُ لَهُمْ عَلَى الْبَاغِينَ لِأَنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ فَلَا يُهْمِلُ الظَّالِمَ دُونَ عِقَابٍ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً [الْإِسْرَاء: 33] . وَقَدِ اسْتُفِيدَ حُبُّ اللَّهِ الْعَافِينَ مِنْ قَوْلِهِ: إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، وعَلى
هَذَا فَمَا صدق الظَّالِمِينَ: هُمُ الَّذِينَ أَصَابُوا الْمُؤْمِنِينَ بِالْبَغْيِ.
وَيَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ التَّعْلِيلُ بَقَوْلِهِ: إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ مُنْصَرِفًا لِمَفْهُومِ جُمْلَةِ وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها أَيْ دُونَ تَجَاوُزِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْجَزَاءِ كَقَوْلِهِ: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ [النَّمْل: 126] فَيكون مَا صدق الظَّالِمِينَ: الَّذِينَ يَتَجَاوَزُونَ الْحَدَّ فِي الْعُقُوبَةِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَنْ يَكُونَ تَحْذِيرًا مِنْ مُجَاوَزَةِ الْحَدِّ،
كَقَوْل النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَامَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ»
. وَقَدْ شَمِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِمَوْقِعِهَا الِاعْتِرَاضِيِّ أُصُولَ الْإِرْشَادِ إِلَى مَا فِي الِانْتِصَارِ مِنَ الظَّالِمِ وَمَا فِي الْعَفْوِ عَنْهُ مِنْ صَلَاحِ الْأُمَّةِ، فَفِي تَخْوِيلِ حَقِّ انْتِصَارِ الْمَظْلُومِ مِنْ ظَالِمِهِ رَدْعٌ لِلظَّالِمِينَ عَنِ الْإِقْدَامِ عَلَى الظُّلْمِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَأْخُذَ الْمَظْلُومُ بِحَقِّهِ، فَالْمُعْتَدِي يَحْسَبُ لِذَلِكَ حِسَابَهُ حِينَ أُلْهِمَ بِالْعُدْوَانِ.
وَفِي التَّرْغِيبِ فِي عَفْوِ الْمَظْلُومِ عَنْ ظَالِمِهِ حِفْظُ آصِرَةِ الْأُخُوَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ بَيْنَ الْمَظْلُومِ وَظَالِمِهِ كَيْلَا تَنْثَلِمَ فِي آحَادِ جُزْئِيَّاتِهَا بَلْ تَزْدَادَ بِالْعَفْوِ مَتَانَةً كَمَا قَالَ تَعَالَى:

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 116
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست