responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 115
وَ (سَيِّئَةٍ) صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ، أَيْ فِعْلَةٌ تَسُوءُ مَنْ عُومِلَ بِهَا. وَوَزْنُ سَيِّئَةٍ فَيْعَلَةٌ مُبَالَغَةً فِي الْوَصْفِ مِثْلَ: هَيِّنَةٍ، فَعَيْنُهَا يَاءٌ وَلَامُهَا هَمْزَةٌ، لِأَنَّهَا مِنْ سَاءَ، فَلَمَّا صِيغَ مِنْهَا وَزْنُ فَيْعَلَةَ الْتَقَتْ يَاءَانِ فَأُدْغِمَتَا، أَي أَن المجازئ يجازيء مَنْ فَعَلَ مَعَهُ فِعْلَةً تَسُوءُهُ بِفِعْلَةٍ سَيِّئَةٍ مِثْلِ فِعْلَتِهِ فِي السُّوءِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالسَّيِّئَةِ هُنَا الْمَعْصِيَةَ الَّتِي لَا يَرْضَاهَا اللَّهُ، فَلَا إِشْكَالَ فِي إِطْلَاقِ السَّيِّئَةِ عَلَى الْأَذَى الَّذِي يُلْحَقُ بِالظَّالِمِ.
وَمَعْنَى مِثْلُها أَنَّهَا تَكُونُ بِمِقْدَارِهَا فِي مُتَعَارَفِ النَّاسِ، فَقَدْ تَكُونُ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْغَرَضِ وَالصُّورَةِ وَهِيَ الْمُمَاثَلَةُ التَّامَّةُ وَتِلْكَ حَقِيقَةُ الْمُمَاثَلَةِ مِثْلَ الْقِصَاصِ مِنَ الْقَاتِلِ ظُلْمًا بِمِثْلِ مَا قَتَلَ بِهِ، وَمِنَ الْمُعْتَدِي بِجِرَاحِ عَمْدٍ، وَقَدْ تَتَعَذَّرُ الْمُمَاثَلَةُ التَّامَّةُ فَيُصَارُ إِلَى الْمُشَابَهَةِ فِي الْغَرَضِ، أَيْ مِقْدَارِ الضُّرِّ وَتِلْكَ هِيَ الْمُقَارَبَةُ مِثْلَ تَعَذُّرِ الْمُشَابِهَةِ التَّامَّةِ فِي جَزَاءِ الْحُرُوبِ مَعَ عَدُوِّ الدِّينِ إِذْ قَدْ يُلْحَقُ الضُّرُّ بِأَشْخَاصٍ لَمْ يُصِيبُوا أَحَدًا بِضُرٍّ وَيَسْلَمُ أَشْخَاصٌ أَصَابُوا النَّاسَ بِضُرٍّ، فَالْمُمَاثَلَةُ فِي الْحَرْبِ هِيَ انْتِقَامُ جَمَاعَةٍ مِنْ جَمَاعَةٍ بِمِقْدَارِ مَا يَشْفِي
نُفُوسَ الْغَالِبِينَ حَسْبَمَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ النَّاسُ.
وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا إِتْلَافُ بَعْضِ الْحَوَاسِّ بِسَبَبِ ضَرْبٍ عَلَى الرَّأْسِ أَوْ عَلَى الْعَيْنِ فَيُصَارُ إِلَى الدِّيَةِ إِذْ لَا تُضْبَطُ إِصَابَةُ حَاسَّةِ الْبَاغِي بِمِثْلِ مَا أَصَابَ بِهِ حَاسَّةَ الْمُعْتَدَى عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ إِعْطَاءُ قِيَمِ الْمَتْلَفَاتِ مِنَ الْمُقَوَّمَاتِ إِذْ يَتَعَسَّرُ أَنْ يُكَلَّفَ الْجَانِي بِإِعْطَاءِ مِثْلِ مَا أَتْلَفَهُ.
وَمِنْ مَشَاكِلِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْعُقُوبَةِ مَسْأَلَة الْجَمَاعَة يتمالؤون عَلَى قَتْلِ أَحَدٍ عَمْدًا، أَوْ عَلَى قَطْعِ بَعْضِ أَعْضَائِهِ فَإِنِ اقْتُصَّ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَانَ ذَلِكَ إِفْلَاتًا لِبَقِيَّةِ الْجُنَاةِ مِنْ عُقُوبَةِ جُرْمِهِمْ، وَإِنِ اقْتُصَّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَانَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي الْعُقُوبَةِ لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا جَنَوْا عَلَى وَاحِدٍ.
فَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ لَمْ يَعْتَدَّ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ وَنَظَرَ إِلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَنَى عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَاسْتَحَقَّ الْجَزَاءَ بِمِثْلِ مَا أَلْحَقَهُ بِالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَجَعَلَ التَّعَدُّدَ مُلْغًى وَرَاعَى فِي ذَلِكَ سَدَّ ذَرِيعَةِ أَنْ يَتَحَيَّلَ الْمُجْرِمُ عَلَى التَّنَصُّلِ مِنْ جُرْمِهِ بِضَمِّ جَمَاعَةٍ إِلَيْهِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ أَخْذًا مِنْ قَضَاءِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَقَوْلِهِ: لَوِ اجْتَمَعَ عَلَى قَتْلِهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَاقْتَصَصْتُ مِنْهُمْ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 25  صفحه : 115
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست