responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 21  صفحه : 297
إِلَيْكَ. وَنَظَرُهُمْ إِلَيْهِ نظر المتفرس فِيمَا ذَا يَصْنَعُ وَلِسَانُ حَالِهِمْ يَقُولُ: أَلَسْنَا قَدْ قُلْنَا لَكُمْ إِنَّكُمْ لَا قِبَلَ لَكُمْ بِقِتَالِ الْأَحْزَابِ فَارْجِعُوا، وَهُمْ يَرَوْنَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى حَقٍّ حِينَ يُحَذِّرُونَهُ قِتَالَ الْأَحْزَابِ، وَلِذَلِكَ خَصَّ نَظَرَهُمْ بِأَنَّهُ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَقُلْ: يَنْظُرُونَ إِلَيْكُمْ. وَجِيءَ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِيَدُلَّ عَلَى تَكَرُّرِ هَذَا النَّظَرِ وَتَجَدُّدِهِ.
وَجُمْلَةُ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ يَنْظُرُونَ لِتَصْوِيرِ هَيْئَةِ نَظَرِهِمْ نَظَرَ الْخَائِفِ الْمَذْعُورِ الَّذِي يُحْدِقُ بِعَيْنَيْهِ إِلَى جِهَاتٍ يَحْذَرُ أَنْ تَأْتِيَهُ الْمَصَائِبُ مِنْ إِحْدَاهَا.
وَالدَّوْرُ وَالدَّوْرَانُ: حَرَكَةُ جِسْمٍ رَحَوِيَّةٌ- أَيْ كَحَرَكَةِ الرَّحَى- مُنْتَقِلٌ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ فَيَنْتَهِي إِلَى حَيْثُ ابْتَدَأَ. وَأَحْسَبُ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ وَمَا تَصَّرَفَ مِنْهُ مُشْتَقَّاتٌ مِنِ اسْمِ الدَّارِ، وَهِيَ الْمَكَانُ الْمَحْدُودُ الْمُحِيطُ بِسُكَّانِهِ بِحَيْثُ يَكُونُ حَوْلَهُمْ. وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الدَّارَةُ لِكُلِّ أَرْضٍ تُحِيطُ بِهَا جِبَالٌ. وَقَالُوا: دَارَتِ الرَّحَى حَوْلَ قُطْبِهَا. وَسَمَّوُا الصَّنَمَ: دُوَارًا- بِضَمِّ
الدَّالِ وَفَتْحِهَا- لِأَنَّهُ يَدُورُ بِهِ زَائِرُوهُ كَالطَّوَافِ. وَسُمِّيَتِ الْكَعْبَةُ دُوَارًا أَيْضًا، وَسَمَّوْا مَا يُحِيطُ بِالْقَمَرِ دَارَةً. وَسُمِّيَتْ مُصِيبَةُ الْحَرْبِ دَائِرَةً لِأَنَّهُمْ تَخَيَّلُوهَا مُحِيطَةً بِالَّذِي نَزَلَتْ بِهِ لَا يَجِدُ مِنْهَا مَفَرًّا، قَالَ عَنْتَرَةُ:
وَلَقَدْ خَشِيتُ بِأَنْ أَمُوتَ وَلَمْ تَدُرْ ... فِي الْحَرْبِ دَائِرَةٌ عَلَى ابْنَيْ ضَمْضَمِ
فَمَعْنَى تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ أَنَّهَا تَضْطَرِبُ فِي أَجْفَانِهَا كَحَرَكَةِ الْجِسْمِ الدَّائِرَةِ مِنْ سُرْعَةٍ تَنْقُلُهَا مُحَمْلِقَةٍ إِلَى الْجِهَاتِ الْمُحِيطَةِ. وَشَبَّهَ نَظَرَهَمْ بِنَظَرِ الَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ بِسَبَبِ النَّزْعِ عِنْدَ الْمَوْتِ فَإِنَّ عَيْنَيْهِ تَضْطَرِبَانِ.
وَذَهَابُ الْخَوْفِ مَجَازٌ مَشْهُورٌ فِي الِانْقِضَاءِ، أَيْ: زَوَالِ أَسْبَابِهِ بِأَنْ يُتْرَكَ الْقِتَالُ أَوْ يَتَبَيَّنَ أَنْ لَا يَقَعَ قِتَالٌ. وَذَلِكَ عِنْدَ انْصِرَافِ الْأَحْزَابِ عَنْ مُحَاصَرَةِ الْمَدِينَةِ كَمَا سَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا [الْأَحْزَاب: 20] .

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 21  صفحه : 297
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست