responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 21  صفحه : 21
وَمَعْنَى: مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ جَزَاؤُهُ لِأَنَّ الْجَزَاءَ لَمَّا كَانَ بِقَدْرِ الْمَجْزِيِّ أُطْلِقُ عَلَيْهِ
اسْمُهُ مَجَازًا مُرْسَلًا أَوْ مجَازًا بالحذف.
[56]

[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 56]
يَا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56)
اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ وَقَعَ اعْتِرَاضًا بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ الْمُتَعَاطِفَتَيْنِ: جُمْلَةِ: وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ [العنكبوت: 52] ، وَجُمْلَةِ: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً [العنكبوت: 58] الْآيَةَ. وَهَذَا أَمْرٌ بِالْهِجْرَةِ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ. وَمُنَاسَبَتُهُ لِمَا قَبْلَهُ أَنَّ اللَّهَ لَمَّا ذَكَرَ عِنَادَ الْمُشْرِكِينَ فِي تَصْدِيقِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِ إِيمَانِ أَهْلِ الْكِتَابِ بِهِ آذَنَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ دَارِ الْمُكَذِّبِينَ إِلَى دَارِ الَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِالْقُرْآنِ وَهُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ مَا بَيْنَ مُسْلِمِينَ وَبَيْنَ يَهُودٍ فَيَكُونُ الْمُؤْمِنُونَ فِي جِوَارِهِمْ آمَنِينَ مِنَ الْفِتَنِ يَعْبُدُونَ رَبَّهُمْ غَيْرَ مَفْتُونِينَ. وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ مُسْتَضْعَفِينَ قَدْ آمَنُوا بِقُلُوبِهِمْ وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا إِظْهَارَ إِيمَانِهِمْ خَوْفًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِثْلَ الْحَارِثِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فِي أَوَّلِ هَذِه السُّورَة [العنكبوت: 10] ، وَكَانَ لَهُمُ الْعُذْرُ حِينَ كَانُوا لَا يَجِدُونَ مَلْجَأً سَالِمًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَكَانَ فَرِيقٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ اسْتَطَاعُوا الْهِجْرَةَ إِلَى الْحَبَشَةِ مِنْ قَبْلُ، فَلَمَّا أَسَلَمَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ زَالَ عُذْرُ الْمُؤْمِنِينَ الْمُسْتَضْعَفِينَ إِذْ أَصْبَحَ فِي اسْتِطَاعَتِهِمْ أَنْ يُهَاجِرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ فَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ
. فَقَوْلُهُ: إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ
كَلَامٌ مُسْتَعْمَلٌ مَجَازًا مُرَكَّبًا فِي التَّذْكِيرِ بِأَنَّ فِي الْأَرْضِ بِلَادًا يَسْتَطِيعُ الْمُسْلِمُ أَنْ يَقْطُنَهَا آمِنًا، فَهُوَ كَقَوْلِ إِيَاسِ بْنِ قَبِيصَةَ الطَّائِيِّ:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْأَرْضَ رَحْبٌ فَسِيحَةٌ ... فَهَلْ تُعْجِزَنِّي بُقْعَةٌ مِنْ بِقَاعِهَا
أَلَا تَرَاهُ كَيْفَ فَرَّعَ عَلَى كَوْنِهَا رَحْبًا قَوْلَهُ: فَهَلْ تُعْجِزَنِّي بُقْعَةٌ. وَكَذَلِكَ فِي الْآيَةِ فَرَّعَ عَلَى كَوْنِهَا وَاسِعَةً الْأَمْرَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لِلْخُرُوجِ مِمَّا كَانَ يُفْتَنُ بِهِ الْمُسْتَضْعَفُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُكْرَهُونَ عَلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ [النَّحْل: 106] .

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 21  صفحه : 21
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست