responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 86
فَالرِّيحُ جِنْسٌ لِهَاتِهِ الْحَرَكَةِ وَالنَّسِيمُ وَالزَّوْبَعَةُ وَالزَّعْزَعُ أَنْوَاعٌ لَهُ.
وَمِنْ فَوَائِدِ هَاتِهِ الرِّيَاحِ الْإِعَانَةُ عَلَى تَكْوِينِ السَّحَابِ وَنَقْلِهِ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ وَتَنْقِيَةِ الْكُرَةِ الْهَوَائِيَّةِ مِمَّا يَحِلُّ بِهَا مِنَ الْجَرَاثِيمِ الْمُضِرَّةِ، وَهَذَانِ الْأَمْرَانِ مَوْضِعُ عِبْرَةٍ وَنِعْمَةٍ لِأَهْلِ الْعِلْمِ.
وَقَدِ اخْتِيرَ التَّعْبِيرُ بِلَفْظِ التَّصْرِيفِ هُنَا دُونَ نَحْوِ لَفْظِ التَّبْدِيلِ أَوِ الِاخْتِلَافِ لِأَنَّهُ اللَّفْظُ الَّذِي يَصْلُحُ مَعْنَاهُ لِحِكَايَةِ مَا فِي نفس الْأَمْرِ مِنْ حَالِ الرِّيَاحِ لِأَنَّ التَّصْرِيفَ تَفْعِيلٌ مِنَ الصَّرْفِ لِلْمُبَالَغَةِ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ مَنْشَأَ الرِّيحِ هُوَ صَرْفُ بَعْضِ الْهَوَاءِ إِلَى مَكَانٍ وَصَرْفُ غَيْرِهِ إِلَى مَكَانِهِ الَّذِي كَانَ فِيهِ فَيَجُوزُ أَنْ تُقَدِّرَ: وَتَصْرِيفِ اللَّهِ تَعَالَى الرِّيَاحَ، وَجَعَلَ التَّصْرِيفَ لِلرِّيحِ مَعَ أَنَّ الرِّيحَ تَكَوَّنَتْ بذلك التصريف لِأَنَّهَا تحصل مَعَ التَّصْرِيفِ فَهُوَ مِنْ إِطْلَاقِ الِاسْمِ عَلَى الْحَاصِل فِي وَقْتَ الْإِطْلَاقِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ [الْبَقَرَة:
159] وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ مَجَازِ الْأَوَّلِ، وَأَنْ تَجْعَلَ التَّصْرِيفَ بِمَعْنَى التَّغْيِيرِ أَيْ تَبْدِيلِ رِيحٍ مِنْ جِهَةٍ إِلَى جِهَةٍ فَتَبْقَى الْحَقِيقَةُ وَيَفُوتُ الْإِعْجَازُ الْعِلْمِيُّ وَيَكُونُ اخْتِيَارُ لَفْظِ التَّصْرِيفِ دُونَ التَّغْيِيرِ لِأَنَّهُ أَخَفُّ.
وَجَمَعَ الرِّيَاحَ هُنَا لِأَنَّ التصريف اقْتضى الْعدَد لِأَنَّهَا كُلَّمَا تَغَيَّرَ مَهَبُّهَا فَقَدْ صَارَتْ رِيحًا غَيْرَ الَّتِي سبقت. وقرأه الْجُمْهُورُ (الرِّيَاحِ) بِالْجَمْعِ وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ (الرِّيحِ) بِالْإِفْرَادِ عَلَى إِرَادَةِ الْجِنْسِ، وَاسْتِفَادَةِ الْعُمُومِ مِنَ اسْمِ الْجِنْسِ الْمُعَرَّفِ سَوَاءٌ كَانَ مُفْرَدًا أَوْ جَمْعًا سَوَاءٌ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الرِّيَاحَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُهُ فِي رِيحِ الْخَيْرِ وَإِن الرّيح بِالْإِفْرَادِ يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُهُ فِي رِيحِ الشَّرِّ وَاعْتَضَدُوا فِي ذَلِكَ بِمَا
رَوَوْهُ عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا رَأَى الرِّيحَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رِيَاحًا لَا رِيحًا»
، وَهِيَ تَفْرِقَةُ أَغْلَبِيَّةٍ وَإِلَّا فَقَدْ غُيِّرَ بِالْإِفْرَادِ فِي مَوْضِعِ الْجَمْعِ، وَالْعَكْسُ فِي قِرَاءَةِ كَثِيرٍ مِنَ الْقُرَّاءِ. وَالْحَدِيثُ لَمْ يَصِحَّ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّفْرِقَةِ فَأَحْسَنُ مَا يُعَلَّلُ بِهِ أَنَّ الرِّيحَ النَّافِعَةَ لِلنَّاسِ تَجِيءُ خَفِيفَةً وَتَتَخَلَّلُ مَوْجَاتِهَا فَجَوَاتٌ فَلَا تَحْصُلُ مِنْهَا مَضَرَّةٌ فَبِاعْتِبَارٍ تَخَلُّلِ الْفَجَوَاتِ لِهُبُوبِهَا جُمِعَتْ، وَأَمَّا الرِّيحُ الْعَاصِفُ فَإِنَّهُ لَا يَتْرُكُ لِلنَّاسِ فَجْوَةً فَلِذَلِكَ جُعِلَ رِيحًا وَاحِدَةً وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ.
وَالرِّيَاحُ جَمْعُ رِيحٍ وَالرِّيحُ بِوَزْنِ فِعْلٍ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَعَيْنُهَا وَاوٌ انْقَلَبَتْ يَاءً لِأَجْلِ الْكَسْرَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ فِي الْجَمْعِ أَرْوَاحٌ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ فِي الْجَمْعِ رِيَاحٌ فَانْقِلَابُ الْوَاوِ فِيهِ يَاءً كَانْقِلَابِهَا فِي الْمُفْرِدِ لِسَبَبِ الْكَسْرَةِ كَمَا قَالُوا دِيمَةٌ وَدِيَمٌ وَحِيلَةٌ وَحِيَلٌ وَهُمَا مِنَ الْوَاوِيِّ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 86
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست