responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 85
وَقَوْلُهُ: وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ عَطْفٌ عَلَى مَدْخُولِ فِي وَهُوَ مِنْ آيَاتِ وُجُودِ الْخَالِقِ
وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ لِأَنَّ هُبُوبَ الرِّيحِ وَرُكُودَهَا آيَةٌ، وَاخْتِلَافَ مَهَابِّهَا آيَةٌ، فَلَوْلَا الصَّانِعُ الْحَكِيمُ الَّذِي أَوْدَعَ أَسْرَارَ الْكَائِنَاتِ لَمَا هَبَّتِ الرِّيحُ أَوْ لَمَا رَكَدَتْ، وَلَمَا اخْتَلَفَتْ مَهَابُّهَا بَلْ دَامَتْ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا مَوْضِعُ الْعبْرَة، وَمن تصريف الرِّيَاح أَيْضا مَوْضِعُ نِعْمَةٍ وَهُوَ أَنَّ هُبُوبَهَا قَدْ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ أَهْلُ مَوْضِعٍ لِلتَّنْفِيسِ مِنَ الْحَرَارَةِ أَو لجلب الأسحبة أَوْ لِطَرْدِ حَشَرَاتٍ كَالْجَرَادِ وَنَحْوِهِ أَوْ لِجَلْبِ مَنَافِعَ مِثْلِ الطَّيْرِ.
وَقَدْ يحْتَاج أهل مَكَان إِلَى اخْتِلَافِ مَهَابِّهَا لِتَجِيءَ رِيحٌ بَارِدَةٌ بَعْدَ رِيحٍ حَارَّةٍ أَوْ رِيحٌ رَطْبَةٌ بَعْدَ رِيحٍ يَابِسَةٍ، أَوْ لِتَهُبَّ إِلَى جِهَةِ السَّاحِلِ فَيَرْجِعُ أَهْلُ السُّفُنِ مِنَ الْأَسْفَارِ أَوْ مِنَ الصَّيْدِ، فَكُلُّ هَذَا مَوْضِعُ نِعْمَةٍ، وَهَذَا هُوَ الْمُشَاهَدُ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ، وَلِأَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ أَيْضًا مَوْضِعُ عِبْرَةٍ أَعْجَبُ وَمَوْضِعُ نِعْمَةٍ، وَذَلِكَ أَنَّ سَبَبَ تَصْرِيفِ الرِّيَاحِ أَنَّ اللَّهَ أَحَاطَ الْكُرَةَ الْأَرْضِيَّةَ بِهَوَاءٍ خَلَقَهُ مَعَهَا، بِهِ يَتَنَفَّسُ الْحَيَوَانُ وَهُوَ مُحِيطٌ بِجَمِيعِ الْكُرَةِ بَحْرِهَا وَبَرِّهَا مُتَّصِلٌ بِسَطْحِهَا وَيَشْغَلُ مِنْ فَوْقِ سَطْحِهَا ارْتِفَاعًا لَا يَعِيشُ الْحَيَوَانُ لَوْ صَعِدَ إِلَى أَعْلَاهُ، وَقَدْ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مُؤَلَّفًا مِنْ غَازَيْنِ هَمَّا (النَّيِتْرُوجِينُ وَالْأُكْسُجِينُ) وَفِيهِ جُزْءٌ آخَرُ عَارِضٌ فِيهِ وَهُوَ جَانِبٌ مِنَ الْبُخَارِ الْمَائِيِّ الْمُتَصَاعِدِ لَهُ مِنْ تَبَخُّرِ الْبِحَارِ وَرُطُوبَةِ الْأَرْضِ بِأَشِعَّةِ الشَّمْسِ وَهَذَا الْبُخَارُ هُوَ غَازٌ دَقِيقٌ لَا يُشَاهَدُ، وَهَذَا الْهَوَاءُ قَابِلٌ لِلْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ بِسَبَبِ مُجَاوَرَةِ حَارٍّ أَوْ بَارِدٍ، وَحَرَارَتُهُ تَأْتِي مِنْ أَشِعَّةِ الشَّمْسِ وَمِنْ صُعُودِ حَرَارَةِ الْأَرْضِ حِينَ تُسَخِّنُهَا الشَّمْسُ وَبُرُودَتُهُ تَجِيءُ مِنْ قِلَّةِ حَرَارَةِ الشَّمْسِ وَمِنْ بُرُودَةِ الثُّلُوجِ الصاعدة من الأَرْض وَمن الزَّمْهَرِيرِ الَّذِي يَتَزَايَدُ بِارْتِفَاعِ الْجَوِّ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَلَمَّا كَانَتِ الْحَرَارَةُ مِنْ طَبْعِهَا أَنْ تُمَدِّدَ أَجْزَاءَ الْأَشْيَاءِ فَتَتَلَطَّفُ بِذَلِكَ التَّمَدُّدِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْكِيمْيَاءِ، وَالْبُرُودَةُ بِالْعَكْسِ، كَانَ هَوَاءٌ فِي جِهَةٍ حَارَّةٍ كَالصَّحْرَاءِ وَهَوَاءٌ فِي جِهَةٍ بَارِدَةٍ كَالْمُنْجَمِدِ وَقَعَ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْهَوَاءَيْنِ فِي الْكَثَافَةِ فَصَعِدَ الْخَفِيفُ وَهُوَ الْحَارُّ إِلَى الْأَعْلَى وَانْحَدَرَ الْكَثِيفُ إِلَى الْأَسْفَلِ وَبِصُعُودِ الْخَفِيفِ يَتْرُكُ فَرَاغًا يَخْلُفُهُ فِيهِ الْكَثِيفُ طَلَبًا لِلْمُوَازَنَةِ فَتَحْدُثُ حَرَكَةٌ تُسَمَّى رِيحًا، فَإِذَا كَانَتِ الْحَرَكَةُ خَفِيفَةً لِقُرْبِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْهَوَاءَيْنِ سُمِّيَتِ الْحَرَكَةُ نَسِيمًا وَإِذَا اشْتَدَّتِ الْحَرَكَةُ وَأَسْرَعَتْ فَهِيَ الزَّوْبَعَةُ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 85
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست