responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 497
وَالنَّهَرُ بِتَحْرِيكِ الْهَاءِ وَبِسُكُونِهَا لِلتَّخْفِيفِ، وَنَظِيرُهُ فِي ذَلِكَ شَعْرٌ وَبَحْرٌ وَحَجْرٌ فَالسُّكُونُ ثَابِتٌ لِجَمِيعِهَا.
وَقَوْلُهُ: فَلَيْسَ مِنِّي أَيْ فَلَيْسَ مُتَّصِلًا بِي وَلَا عَلَقَةَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَأَصْلُ «مِنْ» فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ لِلتَّبْعِيضِ، وَهُوَ تَبْعِيضٌ مَجَازِيٌّ فِي الِاتِّصَالِ، وَقَالَ تَعَالَى: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ [آل عمرَان: 28] وَقَالَ النَّابِغَةُ:
إِذَا حَاوَلَتْ فِي أَسَدٍ فُجُورًا ... فَإِنِّي لَسْتُ مِنْكَ وَلَسْتَ مِنِّي
وَسَمَّى بَعْضُ النُّحَاةِ «مِنْ» هَذِهِ بِالِاتِّصَالِيَّةِ. وَمَعْنَى قَوْلِ طَالُوتَ «لَيْسَ مِنِّي» يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْغَضَبَ عَلَيْهِ وَالْبُعْدَ الْمَعْنَوِيَّ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ يَفْصِلُهُ عَنِ الْجَيْشِ، فَلَا يُكْمِلُ الْجِهَادَ مَعَهُ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِقَوْلِهِ وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ إِظْهَارَ مَكَانَةِ مَنْ تَرَكَ الشُّرْبَ مِنَ النَّهَرِ وَوَلَائِهِ وَقُرْبِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا مُرَادَهُ لَكَانَ فِي قَوْلِهِ: فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي غُنْيَةٌ عَنْ قَوْلِهِ: وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ الشَّارِبُ مُبْعَدًا مِنَ الْجَيْشِ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَشْرَبْ هُوَ بَاقِي الْجَيْشِ.
وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ مِنْ قَوْلِهِ: فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ لِأَنَّهُ مِنَ الشَّارِبِينَ، وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ عَنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ، وَأَتَى بِهِ بَعْدَ جُمْلَةِ وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ لِيَقَعَ بَعْدَ الْجُمْلَةِ الَّتِي فِيهَا الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَعَ الْجُمْلَةِ الْمُؤَكِّدَةِ لَهَا لِأَنَّ التَّأْكِيدَ شَدِيدُ الِاتِّصَالِ بِالْمُؤَكِّدِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ رَاجِعٌ إِلَى مَنْطُوق الأولى وَمَفْهُومِ الثَّانِيَةِ، فَإِنَّ مَفْهُومَ (مَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي) أَنَّ مَنْ طَعِمَهُ لَيْسَ مِنْهُ، لِيَعْلَمَ السَّامِعُونَ أَنَّ الْمُغْتَرِفَ غَرْفَةً بِيَدِهِ هُوَ كَمَنْ لَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ شَيْئًا، وَأَنَّهُ لَيْسَ دُونَ مَنْ لَمْ يَشْرَبْ فِي الْوَلَاءِ وَالْقُرْبِ، وَلَيْسَ هُوَ قِسْمًا وَاسِطَةً. وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ الرُّخْصَةُ لِلْمُضْطَرِّ فِي بِلَالِ رِيقِهِ، وَلَمْ تَذْكُرْ كُتُبُ الْيَهُودِ هَذَا الْأَمْرَ بِتَرْكِ شُرْبِ الْمَاءِ مِنَ النَّهَرِ حِينَ مُرُورِ الْجَيْشِ فِي قِصَّةِ شَاوُلَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَتْ قَرِيبا مِنْهُ إِذْ قَالَ فِي سِفْرِ صَمْوِيلَ لَمَّا ذَكَرَ أَشَدَّ وَقْعَةٍ بَيْنَ الْيَهُودِ وَأَهْلِ فِلَسْطِينَ:
«وَضَنُكَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِأَنَّ شَاوُلَ حَلَّفَ الْقَوْمَ قَائِلًا مَلْعُونٌ مَنْ يَأْكُلُ خُبْزًا إِلَى الْمَسَاءِ حَتَّى أَنْتَقِمَ مِنْ أَعْدَائِي» وَذَكَرَ فِي سِفْرِ الْقُضَاةِ فِي الْإِصْحَاحِ السَّابِعِ مِثْلَ وَاقِعَةِ النَّهَرِ، فِي حَرْبِ جَدْعُونَ قَاضِي إِسْرَائِيلَ لِلْمَدْيَانِيِّينَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاقِعَةَ تَكَرَّرَتْ لِأَنَّ مِثْلَهَا يَتَكَرَّرُ فَأَهْمَلَتْهَا كُتُبُهُمْ فِي أَخْبَارِ شَاوُلَ.
وَقَوْلُهُ: لَمْ يَطْعَمْهُ بِمَعْنَى لَمْ يَذُقْهُ، فَهُوَ مِنَ الطَّعْمِ بِفَتْحِ الطَّاءِ، وَهُوَ الذَّوْقُ أَيِ اخْتِبَارُ الْمَطْعُومِ،

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 497
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست