responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 496
الْمُتَعَدِّي، وَلَكِنَّهُمْ رُبَّمَا قَالُوا فَصَلَ فُصُولًا نَظَرًا لِحَالَةِ قُصُورِهِ، كَمَا قَالُوا صَدَّهُ صَدًّا، ثُمَّ قَالُوا صَدَّ هُوَ صَدًّا، ثُمَّ قَالُوا صَدَّ صُدُودًا. وَنَظِيرُهُ
فِي حَدِيثِ صِفَةِ الْوَحْيِ «أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ فَيَفْصِمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ مَا قَالَ»
أَيْ فَيَفْصِلُ نَفْسَهُ عَنِّي، وَالْمَعْنَى فَيَنْفَصِلُ عَنِّي.
وَضَمِيرُ قالَ رَاجِعٌ إِلَى (طَالُوتَ) ، وَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ إِلَى نَبِيئِهِمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مَعَهُمْ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ طَالُوتُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ مُبْتَلِيهِمْ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيئًا، يُوحَى إِلَيْهِ:
إِمَّا اسْتِنَادًا لِإِخْبَارٍ تَلقاهُ من صمويل، وَإِمَّا لِأَنَّهُ اجْتَهَدَ أَنْ يَخْتَبِرَهُمْ بِالشُّرْبِ مِنَ النَّهَرِ لِمَصْلَحَةٍ رَآهَا فِي ذَلِكَ، فَأَخْبَرَ عَنِ اجْتِهَادِهِ، إِذْ هُوَ حُكْمُ اللَّهِ فِي شَرْعِهِمْ فَأَسْنَدَهُ إِلَى اللَّهِ، وَهَذَا مِنْ مَعْنَى قَوْلِ عُلَمَاءِ أُصُولِ الْفِقْهِ إِنَّ الْمُجْتَهِدَ يَصِحُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ فِيمَا ظَهَرَ لَهُ بِاجْتِهَادِهِ إِنَّهُ دِينُ اللَّهِ أَوْ لِأَنَّهُ فِي شَرْعِهِمْ أَنَّ اللَّهُ أَوْجَبَ عَلَى الْجَيْشِ طَاعَةَ أَمِيرِهِمْ فِيمَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ، وَطَاعَةُ الْمَلِكِ فِيمَا يَرَاهُ مِنْ مَصَالِحِهِمْ، وَكَانَ طَالُوتُ قَدْ رَأَى أَنْ يَخْتَبِرَ طَاعَتَهُمْ وَمِقْدَارَ صَبْرِهِمْ بِهَذِهِ الْبَلْوَى فَجَعَلَ الْبَلْوَى مِنَ اللَّهِ إِذْ قَدْ أَمَرَهُمْ بِطَاعَتِهِ بِهَا. وَعَلَى كُلٍّ فَتَسْمِيَةُ هَذَا التَّكْلِيفِ ابْتِلَاءً تَقْرِيبٌ لِلْمَعْنَى إِلَى عُقُولِهِمْ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إِظْهَارُ الِاعْتِنَاءِ بِهَذَا الْحُكْمِ، وَأَنَّ فِيهِ مَرْضَاةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمُمْتَثِلِ، وَغَضَبَهُ عَلَى الْعَاصِي، وَأَمْثَالُ هَذِهِ التَّقْرِيبَاتِ فِي مُخَاطَبَاتِ الْعُمُومِ شَائِعَةٌ، وَأَكْثَرُ كَلَامِ كُتُبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَلِكَ لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ سَائِرٌ بِهِمْ إِلَى عَدُوٍّ كَثِيرِ الْعدَد، وَقَوي الْعَهْد أَرَادَ أَنْ يَخْتَبِرَ قُوَّةَ يَقِينِهِمْ فِي نُصْرَةِ الدِّينِ، وَمُخَاطَرَتَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ وَتَحَمُّلَهُمُ الْمَتَاعِبَ وَعَزِيمَةَ مُعَاكَسَتِهِمْ نُفُوسَهُمْ فَقَالَ لَهُمْ إِنَّكُمْ سَتَمُرُّونَ عَلَى نَهَرٍ، وَهُوَ نَهَرُ الْأُرْدُنِّ، فَلَا تَشْرَبُوا مِنْهُ فَمِنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي، وَرَخَّصَ لَهُمْ فِي غَرْفَةٍ يَغْتَرِفُهَا الْوَاحِدُ بِيَدِهِ يَبُلُّ بِهَا رِيقَهُ، وَهَذَا غَايَةُ مَا يَخْتَبِرُ بِهِ طَاعَةَ الْجَيْشِ، فَإِنَّ السَّيْرَ فِي الْحَرْبِ يُعَطِّشُ الْجَيْشَ، فَإِذَا وَرَدُوا الْمَاءَ تَوَافَرَتْ دَوَاعِيهِمْ إِلَى الشُّرْبِ مِنْهُ عَطَشًا وَشَهْوَةً، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ إِبْقَاءَ نَشَاطِهِمْ: لِأَنَّ الْمُحَارِبَ إِذَا شَرِبَ مَاءً كَثِيرًا بَعْدَ التَّعَبِ، انْحَلَّتْ عُرَاهُ وَمَالَ إِلَى الرَّاحَةِ، وَأَثْقَلَهُ الْمَاءُ.
وَالْعَرَبُ تَعْرِفُ ذَلِكَ قَالَ طُفَيْلٌ يَذْكُرُ خَيْلَهُمْ:
فَلَمَّا شَارَفْتَ أَعْلَامُ طَيٌّ ... وَطَيٌّ فِي الْمَغَارِ وَفِي الشِّعَابِ

سَقَيْنَاهُنَّ مِنْ سَهْلِ الْأَدَاوِي ... فَمُصْطَبِحٌ عَلَى عَجَلٍ وَآبِي
يُرِيدُ أَنَّ الَّذِي مَارَسَ الْحَرْبَ مِرَارًا لَمْ يَشْرَبْ لِأَنَّهُ لَا يَسْأَمُ مِنَ الرَّكْضِ وَالْجَهْدِ، فَإِذَا كَانَ حَاجِزًا كَانَ أَخَفَّ لَهُ وَأَسْرَعَ، وَالْغِرُّ مِنْهُمْ يَشْرَبُ لِجَهْلِهِ لِمَا يُرَادُ مِنْهُ، وَلِأَجْلِ هَذَا
رَخَّصَ لَهُمْ فِي اغْتِرَافِ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 496
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست