responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 433
لِأَنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ فِي «الْأَسَاسِ» ذَكَرَ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْمَجَازِ، فَكَأَنَّهُمْ شَبَّهُوا تَحَمُّلَ النَّفْسِ عَمَلًا ذَا مَشَقَّةٍ بِاتِّسَاعِ الظَّرْفِ لِلْمُحْوَى، لِأَنَّهُمْ مَا احْتَاجُوا لِإِفَادَةِ ذَلِك إلّا عِنْد مَا يَتَوَهَّمُ النَّاظِرُ أَنَّهُ لَا يَسَعُهُ، فَمِنْ هُنَا اسْتُعِيرَ لِلشَّاقِّ الْبَالِغِ حَدَّ الطَّاقَةِ. فَالْوِسْعُ إِنْ كَانَ بِكَسْرِ الْوَاوِ فَهُوَ فِعْلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَذِبْحٍ، وَإِنْ كَانَ بِضَمِّهَا فَهُوَ مَصْدَرٌ- كَالصُّلْحِ وَالْبُرْءِ- صَارَ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ، وَإِنْ كَانَ بِفَتْحِهَا فَهُوَ مَصْدَرٌ كَذَلِكَ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ كَالْخَلْقِ وَالدَّرْسِ وَالتَّكْلِيفُ بِمَا فَوْقَ الطَّاقَةِ مَنْفِيٌّ فِي الشَّرِيعَةِ. وَبَنَى فِعْلَ تُكَلَّفُ لِلنَّائِبِ لِيُحْذَفَ الْفَاعِلُ، فَيُفِيدُ حَذْفُهُ عُمُومَ الْفَاعِلِينَ، كَمَا يُفِيدُ وُقُوعُ نَفْسٍ، وَهُوَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاق النَّفس، عُمُومَ الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ لِفِعْلِ تُكَلَّفُ: وَهُوَ الْأَنْفَسُ الْمُكَلَّفَةُ، وَكَمَا يُفِيدُ حَذْفُ الْمُسْتَثْنَى فِي قَوْلِهِ:
إِلَّا وُسْعَها عُمُومَ الْمَفْعُولِ الثَّانِي لِفِعْلِ تُكَلَّفُ، وَهُوَ الْأَحْكَامُ الْمُكَلَّفُ بِهَا، أَيْ لَا يُكَلِّفُ أَحَدٌ نَفْسًا إِلَّا وُسْعهَا، وَذَلِكَ تَشْرِيعٌ مِنَ اللَّهِ لِلْأُمَّةِ بِأَنْ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُكَلِّفَ أَحَدًا إِلَّا بِمَا يَسْتَطِيعُهُ، وَذَلِكَ أَيْضًا وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ بِأَنَّهُ لَا يُكَلِّفُ فِي التَّشْرِيعِ الْإِسْلَامِيِّ إِلَّا بِمَا يُسْتَطَاعُ: فِي الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، فَقَدْ قَالَ فِي آيَاتِ خِتَامِ هَذِهِ السُّورَةِ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها [الْبَقَرَة: 286] .
وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِ التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ فِي شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ [1] ، وَسَيَأْتِي
تَفْصِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها فِي آخِرِ السُّورَةِ.
وَجُمْلَةُ لَا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها اعْتِرَاضٌ ثَانٍ، وَلَمْ تُعْطَفْ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهَا مَقْصُودَةٌ لِذَاتِهَا، فَإِنَّهَا تَشْرِيعٌ مُسْتَقِلٌّ، وَلَيْسَ فِيهَا مَعْنَى التَّعْلِيلِ الَّذِي فِي الْجُمْلَةِ قَبْلَهَا بَلْ هِيَ كَالتَّفْرِيعِ عَلَى جُمْلَةِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها لِأَنَّ إِدْخَالَ الضُّرِّ عَلَى أَحَدٍ بِسَبَبِ مَا هُوَ بِضْعَةٌ مِنْهُ، يَكَادُ يَخْرُجُ عَنْ طَاقَةِ الْإِنْسَانِ لِأَنَّ الضِّرَارَ تَضِيقُ عَنْهُ الطَّاقَةُ، وَكَوْنُهُ بِسَبَبِ مَنْ يَتَرَقَّبُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ سَبَبَ نَفْعٍ أَشَدَّ أَلَمًا عَلَى النَّفْسِ، فَكَانَ ضُرُّهُ أَشَدَّ. وَلِذَلِكَ اخْتِيرَ لَفْظُ الْوَالِدَةِ هَنَا دُونَ الْأُمِّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَهَذَا الْحُكْمُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ مِنْ فِرَاقٍ أَوْ دَوَامِ عِصْمَةٍ، فَهُوَ كَالتَّذْيِيلِ، وَهُوَ نَهْيٌ لَهُمَا عَنْ أَنْ يُكَلِّفَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ مَا هُوَ فَوْقَ طَاقَتِهِ، وَيَسْتَغِلَّ مَا يَعْلَمُهُ مِنْ شَفَقَةِ الْآخَرِ عَلَى وَلَدِهِ فَيَفْتَرِصُ ذَلِك لإحراجه، والإشفاق عَلَيْهِ.

[1] وَمِمَّا اسْتدلَّ بِهِ على وُقُوعه قَوْله تَعَالَى: وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ [هود: 36] نَقله آولوسي فِي تَفْسِيره، (12/ 49) ، ط المنيرية.
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 433
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست