responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 391
وَهُوَ وِفَاقٌ لِمَا فَسَّرَ بِهِ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَلَيْسَ هُوَ بِمُخَالِفٍ لِقَوْلِ الْجُمْهُورِ: إِنَّ الْقَرْءَ الطُّهْرُ، فَلَا وَجْهَ لِعَدِّهِ قَوْلًا ثَالِثًا.
وَمَرْجِعُ النَّظَرِ عِنْدِي فِي هَذَا إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَ مَقْصِدَيِ الشَّارِعِ مِنَ الْعِدَّةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْعِدَّةَ قُصِدَ مِنْهَا تَحَقُّقُ بَرَاءَةِ رَحِمِ الْمُطَلَّقَةِ مِنْ حَمْلِ الْمُطَلِّقِ، وَانْتِظَارُ الزَّوْجِ لَعَلَّهُ أَنْ يَرْجِعَ.
فَبَرَاءَةُ الرَّحِمِ تَحْصُلُ بِحَيْضَةٍ أَوْ طُهْرٍ وَاحِدٍ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ تَمْدِيدٌ فِي الْمُدَّةِ انْتِظَارًا لِلرَّجْعَةِ.
فَالْحَيْضَةُ الْوَاحِدَةُ قَدْ جُعِلَتْ عَلَامَةً عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، فِي اسْتِبْرَاءِ الْأَمَةِ فِي انْتِقَالِ الْمُلْكِ،
وَفِي السَّبَايَا، وَفِي أَحْوَالٍ أُخْرَى، مُخْتَلَفًا فِي بَعْضِهَا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى حَيْضٍ وَاحِدٍ لَيْسَ لِتَحَقُّقِ عَدَمِ الْحَمْلِ، بَلْ لِأَنَّ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ رِفْقًا بِالْمُطَلِّقِ، وَمَشَقَّةً عَلَى الْمُطَلَّقَةِ، فَتَعَارَضَ الْمَقْصِدَانِ، وَقَدْ رَجَحَ حَقُّ الْمُطَلِّقِ فِي انْتِظَارِهِ أَمَدًا بَعْدَ حُصُولِ الْحَيْضَةِ الْأُولَى وَانْتِهَائِهَا، وَحُصُولِ الطُّهْرِ بَعْدَهَا، فَالَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرُوءَ أَطْهَارًا رَاعَوُا التَّخْفِيفَ عَنِ الْمَرْأَةِ، مَعَ حُصُولِ الْإِمْهَالِ لِلزَّوْجِ، وَاعْتَضَدُوا بِالْأَثَرِ. وَالَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرُوءَ حَيْضَاتٍ زَادُوا لِلْمُطَلِّقِ إِمْهَالًا لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي طُهْرٍ عِنْدَ الْجَمِيعِ، كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الصَّحِيحِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الطُّهْرَ الَّذِي وَقَعَ الطَّلَاقُ فِيهِ مَعْدُودٌ فِي الثَّلَاثَةِ الْقُرُوءِ.
وَقُرُوءٌ صِيغَةُ جَمْعِ الْكَثْرَةِ، اسْتُعْمِلَ فِي الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ قِلَّةٌ تَوَسُّعًا، عَلَى عَادَاتِهِمْ فِي الْجُمُوعِ أَنَّهَا تَتَنَاوَبُ، فَأُوثِرَ فِي الْآيَةِ الْأَخَفُّ مَعَ أَمن اللّبْس بِوُجُود صَرِيحِ الْعَدَدِ. وَبِانْتِهَاءِ الْقُرُوءِ الثَّلَاثَةِ تَنْقَضِي مُدَّةُ الْعِدَّةِ، وَتَبِينُ الْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ مِنْ مُفَارِقِهَا، وَذَلِكَ حِينَ يَنْقَضِي الطُّهْرُ الثَّالِثُ وَتَدَخُلُ فِي الْحَيْضَةِ الرَّابِعَةِ، قَالَ الْجُمْهُورُ: إِذَا رَأَتْ أَوَّلَ نُقْطَةِ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ خَرَجَتْ مِنَ الْعِدَّةِ، بَعْدَ تَحَقُّقِ أَنه دم الْحيض.
وَمِنْ أَغْرَبِ الِاسْتِدْلَالِ لِكَوْنِ الْقَرْءِ الطُّهْرَ الِاسْتِدْلَالُ بِتَأْنِيثِ اسْمِ الْعَدَدِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ثَلاثَةَ قُرُوءٍ. قَالُوا: وَالطُّهْرُ مُذَكَّرٌ فَلِذَلِكَ ذُكِّرَ مَعَه لفظ (ثَلَاثَة) ، وَلَوْ كَانَ الْقَرْءُ الْحَيْضَةَ وَالْحيض مؤنث لقَالَ ثَلَاثُ قُرُوءٍ، حَكَاهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي «الْأَحْكَامِ» ، عَنْ عُلَمَائِنَا، يَعْنِي الْمَالِكِيَّةَ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ غَيْرُ نَاهِضٍ فَإِنَّ الْمَنْظُورَ إِلَيْهِ فِي التَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ إِمَّا الْمُسَمَّى إِذَا كَانَ التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ حَقِيقِيًّا، وَإِلَّا فَهُوَ حَالُ الِاسْمِ مِنَ الِاقْتِرَانِ بِعَلَامَةِ التَّأْنِيثِ اللَّفْظِيِّ، أَوْ إِجْرَاءُ الِاسْمِ عَلَى اعْتِبَارِ تَأْنِيثٍ مُقَدَّرٍ مِثْلِ اسْمِ الْبِئْرِ، وَأَمَّا هَذَا الِاسْتِدْلَالُ فَقَدْ لُبِسَ حُكْمُ اللَّفْظِ بِحُكْمِ أَحَدِ مُرَادِفَيْهِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 391
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست