responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 382
وَفَارِسٍ فِي غِمَارِ الْمَوْتِ مُنْغَمِسٍ ... إِذَا تَأَلَّى عَلَى مَكْرُوهَةٍ صَدَقَا
(أَيْ إِذَا حَلَفَ عَلَى أَنْ يُقَاتِلَ أَوْ يَقْتُلَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْمَصَاعِبِ وَالْأَضْرَارِ وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الْحَرْبُ كَرِيهَةً) فَصَارَ نُطْقُهُمْ بِالْيَمِينِ مُؤذنًا بالغرم، وَكَثُرَ ذَلِكَ فِي أَلْسِنَتِهِمْ فِي أَغْرَاضِ التَّأْكِيدِ وَنَحْوِهِ، حَتَّى صَارَ يَجْرِي ذَلِكَ عَلَى اللِّسَانِ كَمَا تَجْرِي الْكَلِمَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى الْمَعَانِي مِنْ غَيْرِ إِرَادَةِ الْحَلِفِ، وَصَارَتْ كَثْرَتُهُ فِي الْكَلَامِ لَا تَنْحَصِرُ، فَكَثُرَ التَّحَرُّجُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ قَالَ كُثَيِّرٌ:
قَلِيلُ الْأَلَايِي حَافِظٌ لِيَمِينِهِ ... وَإِنْ سَبَقَتْ مِنْهُ الأليّة برّت
فأشبهه جَرَيَانُ الْحَلِفِ عَلَى اللِّسَانِ اللَّغْوَ مِنَ الْكَلَامِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ اللَّغْوَ هُوَ الْيَمِينُ الَّتِي تَجْرِي عَلَى اللِّسَانِ، لَمْ يَقْصِدِ الْمُتَكَلِّمُ بِهَا الْحَلِفَ، وَلَكِنَّهَا جَرَتْ مَجْرَى التَّأْكِيدِ أَوِ التَّنْبِيهِ، كَقَوْلِ الْعَرَبِ: لَا وَاللَّهِ، وَبَلَى وَاللَّهِ. وَقَوْلِ الْقَائِلِ: وَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ مِنْ فُلَانٍ كَلَامًا عَجَبًا، وَغَيْرُ هَذَا لَيْسَ بِلَغْوٍ، وَهَذَا قَوْلُ عَائِشَةَ، رَوَاهُ عَنْهَا فِي «الْمُوَطَّأ» و «الصّحاح» ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّعْبِيُّ، وَأَبُو قِلَابَةَ، وَعِكْرِمَةُ، وَمُجَاهِدٌ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَأَخَذَ بِهِ الشَّافِعِيُّ، وَالْحُجَّةُ لَهُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ اللَّغْوَ قَسِيمًا لِلَّتِي كَسَبَهَا الْقَلْبُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَلِلَّتِي عَقَدَ عَلَيْهَا الْحَالِفُ الْيَمِينَ فِي قَوْلِهِ: وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما [الْمَائِدَة: 89] فَمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ هُوَ مَا كَسَبَتْهُ الْقُلُوبُ لِأَنَّ مَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ مُبَيَّنٌ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ مُجمل بِما عَقَّدْتُمُ، فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ اللَّغْوُ هِيَ الَّتِي لَا قَصْدَ فِيهَا إِلَى الْحَلِفِ، وَهِيَ الَّتِي تَجْرِي عَلَى اللِّسَانِ دُونَ قَصْدٍ، وَعَلَيْهِ فَمَعْنَى نَفْيِ الْمُؤَاخَذَةِ نَفْيُ الْمُؤَاخَذَةِ بِالْإِثْمِ وَبِالْكَفَّارَةِ لِأَنَّ نَفْيَ الْفِعْلِ يَعُمُّ، فَالْيَمِينُ الَّتِي لَا قَصْدَ فِيهَا لَا إِثْمَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا، وَغَيْرُهَا تَلْزَمُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ لِلْخُرُوجِ مِنِ الْإِثْمِ بِدَلِيلِ آيَةِ الْمَائِدَةِ إِذْ فَسَّرَ الْمُؤَاخَذَةَ فِيهَا بِقَوْلِهِ: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ [الْمَائِدَة: 89] فَيَكُونُ فِي الْغَمُوسِ، وَفِي يَمِينِ التَّعْلِيقِ، وَفِي الْيَمِينِ عَلَى الظَّنِّ، ثُمَّ يَتَبَيَّنُ خِلَافُهُ، الْكَفَّارَةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ.
وَقَالَ مَالِكٌ: «لَغْوُ الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ يَظُنُّهُ كَذَلِكَ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ خِلَافُ ظَنِّهِ» قَالَ فِي «الْمُوَطَّأِ» : «وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ» وَهُوَ مَرْوِيٌّ فِي غَيْرِ «الْمُوَطَّأِ» ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَنْ قَالَ بِهِ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَمَكْحُولٌ وَابْنُ أَبِي نَجِيحٍ. وَوَجْهُهُ مِنَ الْآيَةِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْمُؤَاخَذَةَ عَلَى كَسْبِ الْقَلْبِ فِي الْيَمِينِ، وَلَا تَكُونُ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 382
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست